الدوحة- أطلقت مؤسسة التعليم فوق الجميع بالتعاون مع مجموعة لابيس (هيئة دولية معنية بالإعلام والتعليم والتنمية) برنامج “يوم جديد” في فلسطين، وذلك استجابة للواقع الصعب الذي يعيشه الأطفال في الأراضي المحتلة، حيث يتعرض التعليم للاستهداف المباشر والممنهج وتتحول المدارس نفسها إلى أماكن غير آمنة.

ويتزامن إطلاق البرنامج، مع الاحتفال باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات الذي يوافق 9 سبتمبر/أيلول من كل عام، كما يأتي كخطوة عملية لضمان استمرار التعليم، وتوفير مساحة تقدم الدعم النفسي للأطفال، في ظل ظروف حرمت مئات الآلاف منهم من حقهم في التعليم الآمن.

توضح دعاء محيسن، أخصائية التعليم في المؤسسة في حديث للجزيرة نت، أن اختيار فلسطين لإطلاق البرنامج لم يكن عشوائيا، فالعدوان الذي دمر مئات المدارس، حرم مئات الآلاف من الأطفال من حقهم في التعليم الآمن، وتركهم بلا صفوف دراسية أو كتب، وأحيانا بلا مأوى.

وبرنامج “يوم جديد” جاء كوسيلة بديلة ومرنة لضمان استمرار التعليم، والوصول إلى الأطفال في البيوت والملاجئ وأماكن النزوح، مع إعادة بناء الشعور بالأمان والروتين ولو جزئيا.

البرنامج يهدف إلى تحقيق استمرارية التعليم وتعزيز الصمود النفسي للأطفال (الجزيرة)

الصمود النفسي

ويهدف البرنامج إلى تحقيق استمرارية التعليم وتعزيز الصمود النفسي للأطفال، من خلال حلقاته التي تركز على المهارات الاجتماعية والعاطفية مثل التعاون وإدارة الغضب والتعاطف، إلى جانب تحفيز الفضول وحب المعرفة.

وتشير محيسن إلى أن البرنامج يتيح للأطفال أن يشعروا بأن التعليم والقصص يمكن أن يشكلا مساحة أمان وفرصة للحفاظ على الأمل في ظل الحرمان المستمر.

يتكون “يوم جديد” من 90 حلقة كتبها مؤلفون فلسطينيون، وأنتجت باللهجة المحلية وبشخصيات مستوحاة من البيئة اليومية للأطفال، مما عزز التفاعل وجعل الحلقات جزءا من حياتهم اليومية.

يقول أحد الأطفال “لما سمعت “يوم جديد” لأول مرة، شعرت بسعادة كبيرة، لأنه أعطاني شيئا يسليني وسط هذه الأجواء”.

وبثت الحلقات عبر الراديو من خلال شراكات مع محطات محلية، وأتيحت على منصات رقمية وبودكاست لتصل إلى الأطفال سواء توفر لديهم الإنترنت أو لم يتوفر، وبفضل هذه القنوات، وصل البرنامج بالفعل إلى أكثر من 80 ألف طفل في مختلف أنحاء فلسطين.

ولا يقتصر دور الحلقات على التعليم أو الترفيه، بل أصبحت مساحة عملية للتفريغ العاطفي والدعم النفسي. فقد ذكر عدد من الأهالي والمعلمين أن الأطفال باتوا أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرهم ومناقشة مخاوفهم بعد الاستماع للحلقات.

كما قالت إحدى الأمهات “أعجبتني الحلقة لأنها شجعت أولادي على الحديث عن مشاعرهم”. بهذا المعنى، تحول البرنامج من مجرد قصص إذاعية إلى أداة تساعد الأطفال على استعادة جزء من طفولتهم المفقودة وسط الحرب.

دعاء محيسن: المؤسسة تعتمد على تعدد قنوات الوصول لضمان أن تصل الحلقات إلى جميع الأطفال (الجزيرة)

التعليم والهوية

البرنامج موجه للأطفال بين 7 و11 عاما، وهي مرحلة تأسيسية في التعليم والهوية، مع دراسة إمكانية توسيع المحتوى لفئة عمرية أكبر مستقبلا. وتضم كل حلقة مواد وأنشطة يمكن للأهل والمعلمين تنفيذها في البيت أو الصف، بما يعزز الروابط العائلية ويشرك المجتمع التربوي في العملية التعليمية.

كما أنشئت قنوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي (واتساب وتلغرام) لتسهيل مشاركة الحلقات مع أولياء الأمور والمربين، وتلقي الملاحظات لتعزيز تطوير المحتوى.

إلى جانب البث الإذاعي والرقمي، نظم الشركاء المحليون جلسات استماع جماعية وأنشطة للأطفال استندت إلى حلقات يوم جديد، بعض هذه الجلسات ركز على الدعم النفسي والاجتماعي، في حين استخدمت أخرى كوسائل للتعلم غير الرسمي في المراكز المجتمعية.

ولم يقتصر الأثر على ما نظمه الشركاء فحسب، فقد تبنى الأهالي والمعلمون الحلقات بطرق مبتكرة، مثل دمجها في أنشطة تعليمية لتعويض الفاقد التعليمي أو استخدموها في جلسات الدعم النفسي الجماعي، هذه المبادرات المجتمعية العفوية تعكس حجم الحاجة لمثل هذا النوع من المحتوى.

وتوضح محيسن أن المؤسسة تعتمد على تعدد قنوات الوصول لضمان أن تصل الحلقات إلى جميع الأطفال رغم صعوبة الظروف، فهي تبث عبر الإذاعة وتنشر على المنصات الرقمية المختلفة، كما توفر من خلال أدوات غير متصلة بالإنترنت مثل (Beekee Box)، وهو جهاز صغير يخزن المحتوى ويسمح بتشغيله دون الحاجة إلى شبكة.

ويقاس نجاح البرنامج عبر متابعة عدد المستمعين وإجراء تقييمات قبلية وبعدية للأطفال وأسرهم لقياس الأثر التعليمي والنفسي. كما تجمع آراء الأطفال والأهالي والمجتمع المحلي لتطوير المحتوى المستقبلي وضمان قربه من واقعهم.

المرحلة الأولى من البرنامج شملت إنتاج 90 حلقة على مدار عام كامل (الجزيرة)

مواسم إضافية

وقد شملت المرحلة الأولى إنتاج 90 حلقة على مدار عام كامل، والرؤية المستقبلية تحويل “يوم جديد” إلى مبادرة مستمرة عبر مواسم إضافية أو دمج المحتوى في النظام التعليمي الفلسطيني.

ترى محيسن أن برنامج “يوم جديد” يرتبط مباشرة باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات، فهو يقدم نموذجا عمليا لضمان استمرار التعليم حتى في ظل تدمير المدارس أو حرمان الأطفال من الوصول إليها.

وتختم بالقول إن “التعليم ليس رفاهية يمكن تأجيلها، بل حق أساسي وركيزة لحماية الطفولة. ويبرهن برنامج يوم جديد أن الإبداع والابتكار قادران على إبقاء التعليم حيا حتى في أقسى الظروف، ونحن في مؤسسة التعليم فوق الجميع ملتزمون بضمان وصول كل طفل إلى التعليم وحمايته من الاستهداف، ليبقى قادرا على الحلم بمستقبل أفضل”.

ويحتفل العالم اليوم، باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات الموافق التاسع من سبتمبر/أيلول من كل عام، وهو يوم أقر باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع للقرار 74/275، بعد أن قدمته دولة قطر بالمشاركة مع 62 بلدا حول العالم.

شاركها.
Exit mobile version