القدس المحتلة- في 21 يوليو/تموز 2021 كتبت مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين الراحلة شيرين أبو عاقلة في منشور على صفحتها بموقع فيسبوك “في بعض الغياب حضور أكبر”، وبعد 10 أشهر من كتابة هذه العبارة اغتيلت في جنين ثم ووريت الثرى في القدس على بعد أمتار من سور المدينة التاريخي.
لم يعلم أحد إلى ماذا كانت ترمز شيرين عندما كتبت هذه العبارة، لكن الجميع يُجمع على أنها انطبقت عليها بعد غيابها، لأن حضورها تعمق في ذاكرة المقدسيين وقلوبهم.
الممثل المسرحي المقدسي حسام أبو عيشة التقى بشيرين على مدرجات باب العامود (أحد أبواب البلدة القديمة) قبل 5 أيام من ارتقائها، واستذكر مع الجزيرة نت حديثها عن الحياة وخصوصية الجلوس في ذلك المكان وانتماءها إليه.
يقول أبو عيشة إن الاستهداف البشع لشيرين أبو عاقلة أعطى دفقا مختلفا لقضيتها، وإن عطاءها الاستثنائي في مجال الإعلام على مدار ربع قرن -خاصة في القضايا التي تمس كل منزل فلسطيني كقضية الأسرى والهدم والاقتحامات- أشعل شجون كل من التقى بها في تغطياتها الصحفية “وهذا يليق ببصمة شيرين وأقل ما يمكن أن يقدم لها بعد رحيلها”.
يصر أبو عيشة على تسمية جنازة شيرين بـ”العُرس” وطوابير المشيعين بـ”الزفة”، قائلا إنها لم تتزوج لكن أقيم لها أجمل عرس فلسطيني، وإن لها شقيقا واحدا فقط، لكن كل بنات وشباب فلسطين كانوا أخواتها وإخوانها.
نبراس يهتدى به
ورغم مرور عام على رحيل شيرين فإن أبو عيشة يرى أن جسدها وحده الغائب، لأن روحها وعطاءها ما زالا النبراس الذي يهتدي به الصحفيون وغيرهم ممن اتخذوا هذه الصحفية المقدسية رمزا للإخلاص والانتماء.
لم تكن شيرين أبو عاقلة صديقة مقربة للمديرة السابقة لمركز يبوس الثقافي رانيا إلياس، لكنها دأبت على التواصل مع إدارة المركز باستمرار للاطلاع على نشاطاته وتغطية مهرجاناته الفنية والشعبية والثقافية المختلفة.
وفي حديثها للجزيرة نت قالت رانيا إلياس “كاذب من يقول إنه لا يشعر بفراغ ما بعد رحيل شيرين، لأن غيابها هزنا جميعا لكنه الغياب الحاضر دائما بصورها وصوتها وتكريمها ومتابعة قضيتها على كافة المستويات، لم يمر يوم في القدس دون ذكر اسمها خلال العام”.
“في يوم المرأة وفي حفلات التخرج وخلال الأعياد الإسلامية والمسيحية حلق اسمها ورفرفت روحها في سماء القدس” تضيف إلياس التي أكدت أن شيرين خلقت حالة استثنائية في المدينة المقدسة بعد رحيلها وسلطت الضوء بشكل أكبر على الصحفيات والخطر الذي يحدق بهن يوميا خلال التغطيات الميدانية للأحداث.
هذا الخطر باتت تشعر الصحفية المقدسية لطيفة عبد اللطيف بقربه أكثر من أي وقت مضى بعد رحيل أبو عاقلة، خاصة كلما مر مشهد إصابتها في ذاكرتها.
“رغم قسوة الطريقة التي رحلت بها شيرين فإنها جعلت الكثيرين يلتفتون إلى مهنتنا غير العادية، وأعتقد أن وعي الناس تعزز حول أهمية هذه المهنة وقداسة رسالتها بعد غياب شيرين، كبرتُ وكثيرون من أبناء جيلي على صوتها وصورتها ودرس كثيرون الإعلام لأنهم يريدون أن يكونوا مثلها، ورحيلها خلق الكثير من علامات الاستفهام لدينا حول مستقبلنا وإمكانية ممارسة مهنتنا بحرية يوما ما”.
الغائبة الحاضرة
رئيس دير الروم الملكيين الكاثوليك في رام الله الأب عبد الله يوليو تردد كثيرا إلى مدينة القدس بعد رحيل شيرين أبو عاقلة، وصمم على المشاركة في العديد من الفعاليات التي أقيمت تكريما لروحها.
“كانت مقاومة وفدائية من خلال ممارستها للصحافة ومررت رسالتها بمنتهى الإنسانية والصدق والانتماء، نعلم الآن أنها حية ترزق، لذلك نشعر بحضورها القوي رغم غياب الجسد، ولا بد من التأكيد على أن رحيلها أسس لمرحلة جديدة من نضالات الشعب الفلسطيني، فالقدس تحررت من الاحتلال خلال جنازتها وحققت للشعب مشهدا يحلم به دائما هو رفع العلم الفلسطيني والسير به في شوارع العاصمة المقدسة”.
لم تحضر شيرين رغم غيابها في ذاكرة المقدسيين فحسب، بل في أزقة البلدة العتيقة وكنائس المدينة ومساجدها، وفي شهر رمضان المبارك افتقدها الصائمون في المسجد الأقصى الذين اعتادوا أن يصلهم طعام الإفطار منها كل عام.
على جدران المؤسسات ألصقت صورها وفي قاعاتها صدح صوتها وذُكرت خصالها، وعلى شرفها أقيمت المعارض الفنية والمهرجانات وحفلات التخرج وغُرست مئات أشجار الزيتون، وباسمها أُعلن عن المنح الدراسية والمسابقات الصحفية، كيف لا وفي غيابها كان وما زال وسيبقى الحضور الأكبر.