انتشر أوائل البشر المعاصرين في جميع أنحاء أوروبا في 3 موجات خلال العصر الحجري القديم، وفقا لنتائج دراسة نشرت في الثالث من مايو/أيار الجاري في دورية “بلوس وان” (Plos One).
ويترك السجل الأثري لأوروبا خلال العصر الحجري القديم العديد من الأسئلة المفتوحة في ما يتعلق بكيفية وصول الإنسان الحديث إلى المنطقة، وكيفية تفاعل هؤلاء القادمين الجدد مع السكان البدائيين المقيمين في ذلك الحين.
وفي الدراسة الجديدة قارن المؤلفون سجلات تكنولوجيا الأدوات الحجرية عبر غرب أوراسيا، لتوثيق تسلسل النشاط البشري المبكر في المنطقة.
وركزت الدراسة على التحليل المقارن لعشرات الآلاف من الأدوات الحجرية من موقعين: قصر عقيل في لبنان وكهف غروتي ماندرين بفرنسا.
ضرس مكسور
يشير الضرس المكسور والأدوات الحجرية المعقدة المكتشفة في الموقع إلى أن أول إنسان معروف في أوروبا ربما عاش هنا منذ 54 ألف عام، ثم تناوب الاستيطان مع إنسان “نياندرتال” خلال آلاف السنين من عصور ما قبل التاريخ في أوروبا.
ووفقا للفرضية الجديدة التي تطرحها الدراسة، فإن البشر المعاصرين استعمروا أوروبا في 3 موجات هجرة من الشرق الأدنى، وتفاعلوا مع إنسان “نياندرتال” بشكل متقطع لآلاف السنين فيما كانوا يحاولون الحصول على موطئ قدم.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة لودفيك سليماك أستاذ علم الآثار في جامعة بول ساباتير في تولوز بفرنسا إن الأدوات الحجرية المتطورة الموجودة في فرنسا قد تم إنتاجها من خلال أساليب تقنية منهجية تشبه إلى حد كبير تلك التي وجدت لدى الإنسان العاقل في لبنان، والتي يفترض أن تكون من الثقافة نفسها.
وأوضح سليماك في تصريح للجزيرة نت أن المقارنات بين آلاف الأدوات الحجرية بالإضافة إلى عظمة الضرس أسفرت في النهاية عن التوصل إلى نتيجة مفادها أن الهجرات البشرية من الشرق الأدنى بدأت قبل نحو 10 آلاف سنة مما كان يعتقد سابقا.
ولأن تقنيات الأدوات مرت بـ3 مراحل متشابهة جدا في كل منطقة فيبدو أنها انتشرت من الشرق الأدنى إلى أوروبا خلال 3 موجات مختلفة من الهجرة كانت بداية النهاية بالنسبة لإنسان “نياندرتال”.
وكما يقول المؤلف الرئيسي للدراسة فإنه “طوال هذا الوقت كان الإنسان العاقل هناك ولم نره، لأن البقايا البشرية التي حصلنا عليها كانت نادرة للغاية، لذلك لم نكن قادرين حقا على رسم التاريخ الحقيقي لما حدث في عملية الهجرة والتفاعلات بين الإنسان العاقل والنياندرتال، وما أقترحه هنا هو تنبؤ وليس إثباتا قاطعا، لكن الدراسات المستقبلية ستحدد ما إذا كانت هذه التنبؤات صحيحة أم لا”.
“آثار غروتي ماندرين”
بدأت الحفريات حول كهف غروتي ماندرين في فرنسا منذ العام 1990، وأسفرت عن الكشف عن سجل أثري مثير للاهتمام بشأن استيطان الإنسان البدائي في الموقع لأكثر من 80 ألف عام.
وأسفرت دراسات المأوى الصخري عن العديد من الأدوات، و9 أسنان من 7 أفراد على الأقل، في حين أن معظم الأسنان المكتشفة تبدو كأنها تعود لإنسان “نياندرتال”، ويبدو أن الضرس البالغ من العمر 54 ألف سنة يعود إلى أحد أفراد الإنسان العاقل.
ولا تشبه أدوات الصوان الصغيرة والمتطورة المكتشفة في الموقع أي شيء آخر معروف خلال هذه الحقبة في أوروبا، وهي تظهر تطورا تقنيا ذا نمط واحد على عكس أدوات الإنسان البدائي التي تميل إلى أن تكون فريدة من نوعها أكثر منها موحدة.
لم يشترك أسلاف الإنسان العاقل وأقاربهم البدائيون في المكان والزمان فقط خلال التاريخ التطوري، لكنهم تزاوجوا في أماكن وأزمنة مختلفة.
وفي الوقت الحاضر يحمل معظم البشر الذين يعيشون خارج أفريقيا جنوب الصحراء جينات إنسان “نياندرتال” بنسبة 1 إلى 4%.
لكن العلماء ليسوا متأكدين من عدد المرات التي تواصل فيها أفراد المجموعات بالفعل، ولا مقدار ما تعلموه من بعضهم البعض في أماكن مثل كهف غروتي ماندرين، حيث يشير علم الآثار إلى أن المجموعات البشرية التقت فيه.
ووفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع “يوريك ألرت” (Eurek Alert) تسمح هذه الروابط عبر البحر الأبيض المتوسط بإعادة تفسير نمط وصول الإنسان إلى أوروبا وعلاقاتها الدقيقة مع منطقة المشرق.
وسوف يؤسس مزيد من الفحص لهذه المراحل الواضحة للهجرة البشرية صورة أوضح لتسلسل الأحداث، حيث انتشر الإنسان العاقل في جميع أنحاء المنطقة، وبذلك استبدل إنسان “نياندرتال” تدريجيا.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + يوريك ألرت