تغطي التربة الصقيعية مناطق شاسعة من الأرض. بينها ما يقرب من ربع مساحة اليابسة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
حذرت دراسة جديدة من أن الارتباط القوي للمواد العضوية التي تنشأ من بقايا النباتات الميتة بجزيئات التربة المعدنية في المناطق القطبية، أصبح أكثر هشاشة من ذي قبل بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة التي تتسبب في ذوبان الجليد.
وفي السابق، كان الباحثون يشيرون إلى مخازن الكربون العضوي الموجود في التربة الصقيعية القطبية الشمالية الغنية بالجليد على أنها أكثر صعوبة بالنسبة للكائنات الحية الدقيقة في الاستخدام بسبب حالة التجمد.
وفي الدراسة التي نشرت يوم 13 أبريل/نيسان الجاري في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications)، أشار المؤلفون إلى أنه نظرا لارتفاع درجات الحرارة بشدة في القطب الشمالي، فإن هذا المجمد الضخم يذوب بسرعة، ويمكن الآن أن يتحلل الكربون القديم المخزن فيه بواسطة الكائنات الحية الدقيقة، مما يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي.
التربة الصقيعية
التربة الصقيعية هي أي تربة أو رواسب أو صخور تظل مجمدة لمدة عامين على الأقل. ولعقود من الزمان، عامل الناس الأرض المتجمدة على أنها قوية وغير متحركة إلى حد كبير. وشيدت الصناعات والبنية التحتية فوق صلابة هذه التربة، ودفنوا بداخلها مخلفاتهم. وفي بعض الأماكن، استخدم العلماء وغيرهم التربة الصقيعية لتخزين النفايات المشعة.
وتغطي التربة الصقيعية مناطق شاسعة من الأرض، من بينها نحو ربع مساحة اليابسة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وعلى الرغم من تجمد الأرض، فإن مناطق التربة الصقيعية لا تغطيها الثلوج دائما. ومع ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي بمستوى أسرع بنحو 4 أضعاف من بقية الكوكب نتيجة تغير المناخ، فقد يختفي ما يصل إلى 65% من التربة الصقيعية في المنطقة بحلول عام 2100.
يقول يانيك مارتينيز -المؤلف الرئيسي للدراسة وزميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في معهد الجيولوجيا وعلم المعادن بجامعة كولونيا (University of Cologne) في ألمانيا، وكلية المناخ في جامعة كولومبيا الأميركية- إن التنبؤات الدقيقة بانبعاث غازات الدفيئة من رواسب التربة الصقيعية أكثر تعقيدا مما كان يفترض سابقا، نظرا لأن التحلل الميكروبي للمواد العضوية في الرواسب قد اختلف بشكل كبير على مدى الـ55 ألف عام الماضية. ويرجع ذلك إلى الظروف المناخية المختلفة خلال هذه الفترة الطويلة من الترسب.
وأضاف مارتينز -في تصريح للجزيرة نت- أن معظم إقليم القطب الشمالي مغطى بالتربة الصقيعية، ويحتوي على كميات كبيرة من الكربون -تقريبا ضعف كمية الكربون الموجودة في الغلاف الجوي- لكن هذه الكميات الكبيرة من الكربون عرضة للانطلاق في الغلاف الجوي بسبب تسارع ارتفاع درجات الحرارة بشدة في القطب الشمالي وذوبان الجليد.
تحلل الكربون
ووفقا للمؤلف الرئيسي للدراسة، يمكن الآن أن يتحلل الكربون القديم المخزن في الجليد بواسطة الكائنات الحية الدقيقة، مما يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي. وتعمل غازات الدفيئة هذه على تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري. وكلما زادت درجة الحرارة، زاد إطلاق غازات الاحتباس الحراري من التربة الصقيعية، مما يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر وتجميد الرواسب بشكل أسرع.
ودرس الباحثون نوى التربة الصقيعية الطويلة من القطب الشمالي في سيبيريا. وتأتي تلك النوى من رواسب غنية بالجليد ودقيقة الحبيبات، ترسبت في مناطق واسعة من سيبيريا وألاسكا خلال العصر الجليدي الأخير.
وتتكون النوى، التي يصل طولها إلى 12 مترا، من رواسب تراكمت على مدى فترة تصل إلى 55 ألف عام، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org).
وتظهر نتائج تحليلات نوى التربة الصقيعية أن جزءا كبيرا من الكربون يرتبط بالجزيئات المعدنية، ومن ثم يصعب الوصول إليه بالنسبة للكائنات الحية الدقيقة. كما أدت الظروف الأكثر دفئا ورطوبة إلى ارتباط ضعيف للكربون بالجزيئات المعدنية، بينما أدى المناخ الأكثر برودة وجفافا إلى ارتباط أقوى، بشكل أساسي بأكاسيد الحديد. ويعني الارتباط الأقوى بأكاسيد الحديد أن معدلات تحلل المواد النباتية القديمة أقل.
المصدر : الجزيرة + فيز دوت أورغ + مواقع إلكترونية