«منّي عليكم يا هل العوجا سلام». يتكرر هذا المقطع من قصيدة سعودية واسعة الانتشار أشارت بعض المصادر التاريخية إلى أنها قيلت بعد معركة البكيرية التي خاضها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن قبل أكثر من قرن.
في عام 1436ه، وفي الشهر ذاته من تلك المعركة، تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية، وما زال لتلك الأبيات وقعها وما زال السعوديون، يتداولون باستمرار تلك الصور والفيديوهات التي تظهر تأثر مليكهم بمعانيها وتاريخها، وجادل الكثير من المؤرّخين بأن الملك سلمان أحد المراجع التاريخية الأكثر رصانة في سرد تاريخ البلاد منذ تأسيسها قبل 3 قرون وحتى مرور 10 سنوات من حكمه لها.
ضمان المستقبل باختيار ولي عهد شاب
بعد أيام من احتفاء السعوديين باليوم الوطني الـ94 لبلادهم، تحلّ اليوم ذكرى وطنية خاصة تتمثل بالذكرى العاشرة لتولّي الملك سلمان مقاليد الحكم في البلاد، في فترةٍ مفصلية بتاريخها، قاد خلالها مؤسسة الحكم السعودية للانتقال من جيل أبناء المؤسس إلى جيل أحفاده.
بدأت البلاد بذلك دورة حياة جديدة انطلقت معها نهضة اقتصادية واجتماعية ورافقها ثقل سياسي، وإعادة إحياء للمكتسبات ومكامن القوة التاريخية، وأصبح عنوان المرحلة «الابتكار والتمكين والنهضة الاقتصادية والاجتماعية» بعد أكثر من 55 عاماً قضاها الملك سلمان حاكماً للعاصمة الرياض، في مدة من أطول فترات الخدمة لحاكم محلي قبل أن يتولى ولاية العهد ووزارة الدفاع في 2012 ثم الحكم في العام 2015.
دبلوماسية فعّالة بـ160 زيارة و29 قمة
نظراً للدورين الإقليمي والدولي اللذين أثبتت الرياض قدرتها على قيادتهما خلال حكم الملك سلمان، حيث ركّزت السعودية على التعاون متعدد الأطراف فأسّست مع عدد من الدول عدداً من التحالفات لأول مرة، مثل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، ويضم في عضويته 42 دولة، بالإضافة إلى تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما أصبحت السعودية وجهة لكثير من زعماء العالم للتنسيق والتشاور وتعزيز التعاون نظير الدور المتصاعد للبلاد على المسرحين الإقليمي والدولي.
وإلى جانب الزعماء وقادة الدول الذين استقبلهم الملك سلمان خلال القمم والمناسبات الكبرى التي استضافتها البلاد، أو على هامش الفعاليات الدولية الكبرى، فقد استقبل الملك سلمان منذ توليه الحكم ما يزيد على 160 زيارة من قادة الدول والحكومات، في رقم قياسي أظهر أهميّة السعودية وثقلها خلال المرحلة التي تولى فيها الحكم والسياسات التي تنتهجها البلاد تجاه المنطقة، كما احتضنت السعودية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، أكثر من 29 قمة تعدّدت ظروفها ما بين قمم اعتيادية ولقاءات تشاورية، وطارئة، توزّعت في أربع مدن ومحافظات (الرياض، جدة، مكة المكرمة، الظهران، العُلا).
كما أجرى الملك سلمان أكثر من جولة خارجية في زيارات رسمية أو تمثيل بلاده في مناسبات دولية أو إجازات خاصة، وشملت في البداية الولايات المتحدة ثم دول مجلس التعاون الخليجي، كما زار عدداً من الدول الآسيوية في جولة شملت ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، واليابان، والصين، والمالديف، بالإضافة إلى الأردن، ومصر، وتركيا، وروسيا، والصين والمغرب.
وشهدت السياسة الخارجية السعودية حراكاً دبلوماسياً متصاعداً خلال السنوات الماضية من عهد الملك سلمان؛ إذ أخذت السعودية على عاتقها حماية أمنها القومي الذي كان يواجه تهديداً بالغ التعقيد آنذاك في ضوء التحركات الإيرانية التي أكّد عليها آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي بالقول إن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية، وبرّر مسؤول إيراني ذلك بأنه دليل تنامي نفوذ بلاده في المنطقة.
وأعلنت السعودية تأسيس تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية لمواجهة انقلاب الحوثيين على الحكومة اليمنية في مطلع عهد الملك سلمان، ونجحت في حماية حدود البلاد الجنوبية ودعم الشرعية اليمنية في مسعاها لمنع الحوثيين من السيطرة على كامل الأراضي اليمنية.
وفي يوليو (تموز) 2017، أعلن الديوان الملكي السعودي أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أجرى خلال الأيام الماضية الاتصالات اللازمة بالكثير من زعماء العالم، بمن فيهم الرئيس الأميركي (آنذاك) دونالد ترمب، لبذل مساعيهم لعدم إغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين، وعدم منعهم من أداء فرائضهم وصلواتهم فيه، وتكلّلت هذه الجهود بالنجاح وأعلنت الشرطة الإسرائيلية حينها إزالة كل الإجراءات الأمنية التي استحدثتها في الحرم القدسي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» باسم الآغا، سفير فلسطين في الرياض، أن «تواصل وتحركات الملك سلمان بن عبد العزيز وتضحيات أبناء الشعب الفلسطيني ودعم مخلصي الأمة، أفشل المخطط الصهيوني، وهو ما سيقود لانتصارات قادمة»، على حد تعبيره.
وفي سبتمبر (أيلول) 2018، رعى الملك سلمان اتفاق إنهاء الصراع بين إثيوبيا وإريتريا وتوقيع مصالحة بينهما في قمة ثلاثية بمحافظة جدة، غرب السعودية، بعد نزاع دموي استمر لأكثر من عقدين.
وخليجيّاً، أجرى الملك سلمان جولة خليجية شملت الإمارات، وقطر، والبحرين والكويت، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، لقيت الترحيب والإشادة وانعكست على العلاقات الخليجية – الخليجية وفقاً لمراقبين فيما بعد، أحرزت رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، لتعزيز وتفعيل العمل الخليجي المشترك، التي أقرّها المجلس الأعلى في دورته الـ36 عام 2015، تقدّماً في تنفيذها وفقاً لبيان القمة الخليجية الماضية.
وأعاد «بيان العُلا» الخليجي في مطلع عام 2021، العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكداً على وحدة الصف والتماسك بين دول المجلس والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، لتعود بذلك العلاقات الكاملة بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى بعد قطعها في يونيو (حزيران) 2017.
«لا مكان للتطرف والانحلال»
ومع الصعود الذي بدأت تشهده البلاد على أكثر من صعيد بعد أشهر من تولي الملك سلمان الحكم، وضع الملك النقاط على الحروف وأكّد في كلمة تاريخية أمام مجلس الشورى عام 2017 أنه «لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحلٍّ يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال»، ووضعت هذه الكلمة التاريخية الأنظمة والتشريعات في السعودية على أبواب التطوير لتتوافق مع ما ينتظر البلاد من مستقبل اقتصادي تعيشه اليوم، وانفتاح على العالم ومختلف الثقافات.
تعزيز الهويّة الوطنية
وسعت السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى تعزيز الهوية الوطنية بزخم غير مسبوق، في ضوء برامج تعزيز الثقافة والتراث وتمكين «وزارة الثقافة»، فضلاً عن البرامج والمشروعات الاقتصادية ذات البعد الذي يعزّز الهوية التاريخية، على غرار منطقتي العُلا شمال البلاد، والدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية، وأصبحت الهوية السعودية في أفضل أحوالها اليوم وفقاً لمراقبين محلّيين ودوليّين للشأن السعودي.
ويظهر ذلك المسعى في معرض إجابة ولي العهد عن سؤال حول مشروع «الصحوة» الذي كان سائداً: «استطعنا خلال سنة واحدة أن نقضي على مشروع آيديولوجي صُنع على مدى 40 عاماً، وسنعود بالسعودية إلى الإسلام المعتدل». وأضاف في تصريحٍ آخر، أن «الهويّة السعودية قويّة وتزداد قوة وتطوراً بالانفتاح، وإن أصحاب الهوية الضعيفة هم من يقلقهم الانفتاح على العالم».
تقوية مركز الدولة
وصدر عدد من التشريعات في سبيل تعزيز مركز الدولة الذي بات وفقاً لمتابعين في حالةٍ أقوى بوضوح معالم رؤية البلاد عند إطلاق «رؤية 2030» آنذاك، لتتكامل فيها جهود هياكل الدولة، واستدل على ذلك ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال مقابلة تلفزيونية في أواخر أبريل (نيسان) من عام 2021، قائلاً: «بسبب ضعف مركز الدولة، وعدم وجود سياسة عامة، لم تتمكّن وزارة الإسكان من أن تحول مبلغ 250 مليار ريال رُصدت لها في 2011 و2015 إلى مشروعات على الأرض». واستطرد: «لا يستطيع وزير الإسكان النجاح دون أن تكون هناك سياسة عامة للدولة بالتنسيق مع البلديات، والبنك المركزي، والمالية، وسن التشريعات والقطاع الخاص إلى آخره، فمثلاً الـ250 ملياراً أُعيدت للخزينة وصرفت ميزانية سنوية؛ لكن كانت نتائج ذلك ارتفاع نسبة الإسكان من 47 في المائة إلى 60 في المائة في 4 أعوام فقط، وهذا يشير إلى أين نحن متجهون».
كما توجهت السعودية خلال السنوات العشر الماضية من حكم الملك سلمان إلى إطلاق عشرات البرامج والاستراتيجيات الوطنية، لإعادة هيكلة وتنظيم القطاعات الحيوية في البلاد، والقطاعات الجديدة والمستحدثة، بما ينعكس على أداء تلك المنظومات، على غرار «الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، واستراتيجية قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والاستراتيجية الوطنية للاستثمار، والاستراتيجية الوطنية للسياحة»، فضلاً عن استراتيجيات المناطق وتأسيس هيئات التطوير التي من شأنها استحداث الفرص الاستثمارية والتنموية، وتعزيز الجهود لدعم اقتصاد المدن، بالإضافة إلى إنشاء وزارات جديدة تُعنى بتعزيز إمكانات البلاد في قطاعات غير معزّزة في السابق مثل «وزارة الصناعة» علاوةً على تنظيم وترتيب مهام الكثير من الوزارات الأخرى.
تحقيق 87 % من أهداف «رؤية 2030»
وبجانب التغيّرات التي طرأت على كل ما يرتبط بالبلاد داخليّاً وخارجيّاً، اتّسم الاقتصاد السعودي مع تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، بمستهدفات جريئة مثل (تنويع مصادر الدخل، وترشيد الاعتماد على النفط، وتحسين جودة الحياة) بما ينعكس على كل الجوانب الإنسانية، في ضوء المشروع التنموي للإصلاح الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي «رؤية السعودية 2030» التي وافق عليها مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان في أبريل (نيسان) عام 2016، وأوشكت على أن تكمل 87 في المائة من أهدافها بعد 8 سنوات من إطلاقها، وفقاً لوزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، رغماً عن الطوارئ الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالعالم في أكثر من مكان، وأهمها جائحة «كوفيد – 19».
عقد من الزمن يُضاعف حجم الناتج المحلي
وفي برهان على نجاح الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة السعودية خلال السنوات الـ10 الماضية من حكم الملك سلمان، قفز الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للهيئة العامة للإحصاء من 2.4 تريليون ريال (654 مليار دولار) في العام الأول لحكم الملك سلمان إلى نحو 4 تريليونات ريال سعودي (أكثر من تريليون دولار) في العام الماضي 2023، بينما زاد حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أكثر من 17.6 مليار دولار في 2022، وهو الأعلى منذ عقد؛ ما يكشف ثقة المستثمرين العالميين في الاقتصاد السعودي.
ولتدعيم التوجّه نحو تنويع مصادر الدخل الوطني، عمل «صندوق الاستثمارات العامة»، على تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين، بتأسيس منظومات وقطاعات جديدة باسم «المشروعات الكبرى»، وهي تعتمد على التقنية والمعرفة وتعزز من استخدامها في السعودية، وتُسهم في اكتساب الهوية السعودية والإرث المحلي التاريخي زخماً غير مسبوق، وتوسّع دور الصندوق ليصبح أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، حيث استثمر في الكثير من المشاريع المحلية والعالمية وبات لدى السعودية خمسة مشاريع كبرى.
وإضافة إلى النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، ساهمت المشروعات الكبرى في جعل السعودية في مقدّمة الدول الجاذبة للاستثمارات والسياح؛ ونتيجةً لذلك فازت البلاد خلال السنوات العشر الماضية بتنظيم واستضافة مناسبات دولية كبرى مثل «إكسبو 2030» و«كأس العالم 2034» و«كأس العالم للأندية» و«كأس آسيا لكرة القدم 2027» و«دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029» في تروجينا بنيوم وغيرها من المناسبات الكبرى، كما استضافت الكثير من القمم والمؤتمرات والمنتديات التي لم تستضفها بهذا القدر من قبل في مجالات الاقتصاد والتنمية والبيئة والطاقة والذكاء الاصطناعي مثل الاجتماع الخاص الأول من نوعه للمنتدى الاقتصادي العالمي، ومنتدى مبادرة مستقبل الاستثمار.
كما حققت الرياضة السعودية نهضة غير مسبوقة، خصوصاً على صعيد كرة القدم، مع استقطاب «دوري روشن السعودي» عدداً من كبار النجوم العالميين من لاعبين ومدربين، ضمن مشروع رياضي ساهم في جذب الأنظار إلى السعودية والقطاع الرياضي فيها.
مكافحة الفساد
ودخلت البلاد منذ انطلاق «رؤية 2030» التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإشراف من خادم الحرمين الشريفين، في ورشة عمل تنموية وبرامج إصلاح اقتصادي جذرية، كان في مقدّمتها فعلياً خطط مكافحة الفساد المالي والإداري، ومكافحة الهدر المالي في أروقة الحكومة على أعلى مستوى.
ولأجل ذلك؛ أصدر الملك سلمان في نوفمبر 2017، أمراً ملكياً بتشكيل «اللجنة العليا لمكافحة الفساد» برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهي أول لجنة عليا لمكافحة الفساد في السعودية، وجعل للّجنة أن تقوم «استثناءً» من الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وبالتحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام، مع رفع تقرير مفصّل إلى خادم الحرمين الشريفين عند إكمال اللجنة مهامها وما توصلت إليه.
وأنجزت اللجنة في أيامها الأولى إحدى أشهر قضايا مكافحة الفساد التاريخية فيما عُرف بـ«قضية الريتز» بعد احتجاز عدد من الموقوفين من أمراء ومسؤولين كبار وسابقين بتهم الفساد، أسفرت عن تسويات أوّلية تقدر بنحو 50 مليار ريال، وفقاً لمصدر سعودي تحدّث لـ«رويترز».
المرأة إلى جانب الرجل في التنمية… و6 سفيرات
وفضلاً عن إماطة ملف «قيادة المرأة للسيارة» عن طريق الإصلاح الداخلي، من خلال الأمر الملكي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، فقد توسّعت مساهمة المرأة في التنمية، وتبوّأت مناصب حكومية ودبلوماسية كبرى لأول مرة في البلاد، فأصبح لدى السعودية 6 سفيرات في دول مهمّة، وتضاعفت مشاركتها في سوق العمل، لتحقق السعودية أسرع نسبة نمو في مشاركة المرأة في العالم، فقد قفزت نسبة المنشآت التي تقودها النساء من 21.5 في المائة لعام 2016، لتبلغ 45 في المائة لعام 2022، من إجمالي الشركات الناشئة، وفقاً لإحصاءات رسمية.
الحوكمة ورقمنة الخدمات
وانتقلت الحكومة السعودية إلى تأسيس واقع جديد لتعاملاتها عبر مبدأين: الأول الحوكمة في مجالس إدارات القطاعات المستحدثة والبرامج الجديدة المنبثقة عن «رؤية 2030»، والآخر «الحكومة الرقمية» التي غيّرت من شكل التعاملات القديمة، وساهمت في التقليل من البيروقراطية التقليدية التي كانت سمة قديمة في القطاعين العام والخاص، وفقاً للمستخدمين.
ووافق مجلس الوزراء على إنشاء «هيئة الحكومة الرقمية» في مارس (آذار) عام 2021، في نقلة نوعية نحو تعزيز الأداء الرقمي داخل الجهات الحكومية، ورفع جودة الخدمات المقدمة، وتحسين تجربة العملاء مع الجهات الحكومية، وحققت البلاد تقدماً كبيراً في تبني الحكومة الإلكترونية، ليصل إجمالي إنفاق الحكومة على التحول الرقمي العام الماضي أكثر من 3 مليارات دولار، وفقاً لأرقام رسمية.
وفي سياق مواجهة جائحة كورونا، أحرزت السعودية نجاحاً في التحول الرقمي، حيث طوّرت تطبيق «توكلنا» الذي بات فيما بعد جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين، كما فعّلت منصات التعليم عن بعد لضمان استمرار العملية التعليمية لجميع المراحل الدراسية، واستفاد من هذه المنصة أكثر من 6 ملايين طالب، وفق وزارة التعليم.
«كورونا»… التزام داخلي وقيادة دولية
كانت جائحة كورونا (كوفيد – 19) إحدى أكبر الأزمات العابرة للقارّات والتي عانى منها العالم خلال القرن الحالي، كما كانت أحد أكبر التحديات التي واجهتها السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، خصوصاً أنها كانت تترأس «مجموعة العشرين» حينها؛ ما يجعلها في موقف قيادة دولي بارز لمواجهة الجائحة، ودعا خادم الحرمين الشريفين إلى عقد جلسة طارئة لقادة دول مجموعة العشرين لمناقشة مبادرة السعودية لمساعدة الدول المتضررة من تداعيات جائحة كورونا (كوفيد – 19)، وتبنّى القادة المبادرة السعودية وعملوا على تنفيذها، وأكد المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبد الله الربيعة، أن السعودية قدمت 713 مليون دولار خلال 2020، لدعم الدول لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد – 19).
داخليّاً، أخذ الملك سلمان وحكومته زمام المبادرة، وفي كلمةٍ موجّهة للمواطنين والمقيمين في السعودية طمأن الجميع بثقة منقطعة النظير، قائلاً: «إن بلادكم مستمرة في اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة، والحد من آثارها، مستعينةً بالله تعالى، ثم بما لديها من إمكانات، في طليعتها عزيمتكم القوية في مواجهة الشدائد بثبات المؤمنين العاملين بالأسباب». ووضعت هذه الكلمات الإطار العريض لكيفية مواجهة البلاد هذه الجائحة فيما بعد.
اتخذت السعودية الكثير من الإجراءات الفعالة وحققت إنجازات بارزة للحد من آثار الجائحة وضمان سلامة المواطنين والمقيمين على أراضيها، وكشف وزير الصحة السعودي، فهد الجلاجل، عن أن بلاده بقيادة الملك سلمان وفّرت العلاج للجميع دون استثناء للمواطنين والمقيمين بما فيهم مخالفو نظام الإقامة، وكذلك رفع الطاقة الاستيعابية لجميع الخدمات الصحية، في غرف العناية المركزة والمستشفيات، وتوفير كل الإمكانات اللازمة من الأدوية واللقاحات والمختبرات والأدوات والتجهيزات في وقت قياسي، وتسخير الأنظمة التقنية لمواجهة الجائحة.
وفي آخر مؤتمر صحافي دوري حول «كوفيد – 19»، كشف المتحدث باسم وزارة الصحة محمد العبد العالي، عن أن الإجراءات التي اتخذتها السعودية كانت عالية التأثير لحماية المجتمع بتضافر الجهود الحكومية وتغطية أكثر من 99 في المائة من المستهدفين بالتطعيم.
وكان من أبرز العوامل التي أسهمت في احتواء انتشار الفيروس استعداد السعودية المبكر، وقوة نظامها الصحي، حيث بلغ معدل الإصابة في السعودية 9 إصابات لكل 1000 نسمة، ووصل التوصل في إجراء الفحوص معدل 13 ألف فحص لكل 100 ألف نسمة، في حين وصل معدّل الإماتة بين المصابين إلـى 1 في المائة، بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي بلغ 3.47 في المائة حتى نهاية أغسطس (آب) 2020.
واقتصاديّاً، أطلقت السعودية برامج دعم مالي للشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الجائحة، وشمل ذلك تخصيص ما يربو على 18 مليار دولار لمساعدة الشركات على تجاوز آثار الجائحة، وحزمة تحفيز اقتصادي بلغت 32 مليار دولار لدعم الاقتصاد خلال الجائحة، وتضمّن الدعم إعفاءات وتأجيلات للرسوم والضرائب، وأقرَّ البنك المركزي برنامجاً بـ13 مليار دولار، شمل تأجيل المستحقات لستة أشهر وتقديم التمويل الميسر للشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب الكثير من البرامج والمبادرات النوعية لمساعدة المجتمع على التعافي ومواجهة التأثيرات الاقتصادية والانعكاسات السلبية.
إلى جانب ذلك، نجحت السعودية في تأمين الحج والعمرة، فخلال موسم حج 2020، طبَّقت إجراءات وقائية صارمة، لتتمكّن البلاد من إدارة الحج بنجاح مع تقليل عدد الحجاج إلى 10000 فقط مقارنة بملايين الحجاج في السنوات السابقة، كما استخدمت التقنية وجميع الأدوات المتاحة لمساعدة الحجاج والمعتمرين على إتمام شعائرهم خلال تلك المرحلة.
إلى جانب ذلك، شرعت السعودية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين في إجراءات تهدف إلى توطين إنتاج اللقاحات والتقنيات الطبية بالتعاون مع شركات عالمية؛ لتعزيز أمنها الصحي المستقبلي.
السياحة والترفيه
لم يكن قطاع الترفيه مفعّلاً في السعودية، وقد يكون ملغيّاً بالكامل من أجندة الحكومة في العقود السابقة، حتى مايو (أيار) 2016، حينما أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء «هيئة عامة للترفيه» تختص بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه، لتنطلق الهيئة في إحداث واقع جديد للسعوديين بتنويع مصادر ترفيههم وتستقطب الكثير من الزوار والسياح من مختلف مناطق العالم إلى الكثير من مناطق السعودية، حتى وصل عدد الزوار في الفعاليات والأنشطة الترفيهية خلال العام الماضي 2023 إلى أكثر من 72 مليون زائر بزيادة 17 في المائة مقارنة بعام 2022، في حين بلغ عدد التراخيص الصادرة أكثر من 6 آلاف ترخيص مُنحت في 117 مدينة.
وافتتحت السعودية مسارحها واستعرضت مخزونها الثقافي والأدائي، واستقطبت الإمكانات اللازمة كافة لتصبح وجهة عالمية في هذا القطاع.
أما في قطاع السياحة، فقد أصبحت السعودية رقماً سعباً على الساحة الدولية في هذا القطاع وفقاً لجميع الأرقام المحلية والدولية، حيث أُطلقت الاستراتيجية الوطنية للسياحة في 2019، وخلال شهر من ذلك التاريخ أُطلقت التأشيرة السياحية، التي فتحت أبواب السعودية للزوار من مختلف دول العالم؛ للتعرف على البلاد التي توصف بالقارة، وتضم مواقع تاريخية مسجلة في قائمة «يونيسكو» ومواقع سياحية متنوعة وواعدة.
وكان أحمد الخطيب، وزير السياحة السعودي، أعلن مؤخراً أنه مع نهاية النصف الأول من العام الحالي وصلت مساهمة المنظومة في الناتج المحلي 5 في المائة، وأن القطاع يسير بخطى ثابتة إلى تحقيق نسبة 10 في المائة، بما يعادل 600 إلى 700 مليار ريال من دخل السياحة في الاقتصاد السعودي.
واحتلت السعودية الترتيب الـ11 بين دول العالم في استقبال سياح الخارج، وأصبحت الدولة الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين في هذا الشأن، كما حقّقت البلاد نمواً نسبته 153 في المائة في القطاع، مقارنة بعام 2019، وبلغ حجم الإنفاق 255 ملياراً بنهاية عام 2023، وبنهاية عام 2023 استقبلت السعودية أكثر من 100 مليون سائح دولي ومحلي، محقّقة مستهدف «رؤية السعودية 2030» ليصبح المستهدف الجديد لعام 2030 الوصول إلى 150 مليون زائر، وارتفاع مساهمة القطاع السياحي بـ750 مليار ريال في الاقتصاد.