Published On 1/9/2025
|
آخر تحديث: 10:00 (توقيت مكة)
تفاخر تشانغ شيغانغ رئيس شركة رايزن للمعادن غير الحديدية التابعة لمجموعة “تشاينا رير إيرث غروب” بهيمنة بلاده على صناعة المعادن النادرة، مؤكداً أن محاولات الولايات المتحدة وأوروبا واليابان لإضعاف قبضة بكين محكومة بالفشل.
وقال في تصريحات نقلتها صحيفة فايننشال تايمز “تقدمنا التكنولوجي سيعزز قدرة الصين على تحديد أسعار العناصر النادرة، والأسواق الدولية ستبقى معتمدة على سلسلة التوريد الصينية في المستقبل المنظور”.
ولم يأتِ هذا التصريح من فراغ، بل يعكس واقعاً تراكم عبر عقود من التخطيط الحكومي والاستحواذات الإستراتيجية التي جعلت الصين اللاعب الأكثر قدرة على التحكم في كل مراحل سلسلة القيمة، من التعدين وحتى تصنيع المغناطيس.
ومع ازدياد الحاجة العالمية لهذه المعادن الحيوية، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية والطائرات المقاتلة، يتجلى الصراع حول العناصر النادرة بوصفه إحدى أهم جبهات المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية بين بكين والغرب.
اعتماد شبه كامل على الصين
وتوضح فايننشال تايمز أن الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تبذل جهوداً محمومة لتأسيس سلسلة توريد بديلة، غير أن الواقع يكشف عن اعتماد شبه مطلق على الصين التي تستحوذ على 70% من التعدين في العالم، و90% من الفصل والمعالجة، و93% من صناعة المغناطيس.
وتؤكد أن هذه الأرقام تجعل من الصعب للغاية كسر قبضة بكين، خاصة أنها أبقت الأسعار منخفضة بما يكفي لإحباط دخول أي منافسين جدد.
ونسبت الصحيفة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اتهامها للصين بأنها تتبع “نمطاً من الهيمنة والاعتماد والابتزاز الاقتصادي لإفلاس المنافسين”. كما أشارت إلى أن بكين استخدمت قيود التصدير ورقة ضغط على واشنطن، بينما واصلت إدارة تدفقات المعادن بإحكام لمنع أي تخزين خارجي.
جذور السيطرة وسياسات الإقصاء
ويعود التفوق الصيني إلى تسعينيات القرن الماضي، حين ازدهر التعدين بدعم من لوائح بيئية متساهلة. وفي ذلك الوقت، قال الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ عبارته الشهيرة “الشرق الأوسط لديه النفط، والصين لديها العناصر النادرة”.
كما استحوذت شركات مدعومة من الدولة -بينها شركة الصين لصناعة المعادن غير الحديدية وبكين سان هوان نيو ماتيريالز- على قسم المغناطيس في شركة جنرال موتورز “ماغنيكوانتش” ومصانعها في إنديانا الأميركية عام 1995، ثم على قسم المعادن النادرة في شركة “أوجيماج” الفرنسية.
وبحلول 2004، توقفت خطوط الإنتاج الأميركية، وسُرّح العمال، وشُحنت المعدات إلى مصانع في تيانجين ونينغبو في الصين.
ويوضح الخبير جون أورميرود، المتخصص في صناعة المغناطيس -لفايننشال تايمز- أن المنافسة مع الصين كانت مستحيلة فـ”كان العملاء يذهبون إلى الصين للحصول على عرض سعر، ثم يطلبون منك مطابقته، وكان ذلك ببساطة مستحيلاً”.
وبحلول 2010 أغلقت آخر شركتين أميركيتين لإنتاج المغناطيس، بينما لجأت اليابان إلى تخزين المعادن وإلى إعادة التدوير من منتجات مثل بطاريات سيارات “تويوتا بريوس”.
أسعار منخفضة واستثمارات مستمرة
رغم أن إبقاء الأسعار منخفضة قلّص أرباح الشركات الغربية وحتى بعض الشركات الصينية الخاصة، فقد واصلت المجموعات المملوكة للدولة الاستثمار والتوسع.
وتوضح فايننشال تايمز أن هذه السياسة منحت بكين ميزة الحجم الضخم والتفوق التكنولوجي، خصوصاً عمليات المعالجة التي يُحظر تصدير تقنياتها.
وتنقل عن الخبيرة غرايسلين باسكاران، من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية قولها “إنهم لا يقلصون الإنتاج لرفع الأسعار، بل يستخدمون هيمنتهم للاحتفاظ بالقدرة على توظيف هذه الموارد كسلاح اقتصادي” وأضافت “هذه ليست قصة العناصر النادرة فقط، بل هو نمط يتكرر عبر سلع أخرى”.
أما أورميرود فأكد بقوله “سيكون من المستحيل الوصول إلى مستويات الأسعار الصينية. المشترون للمغناطيس سيتعين عليهم تقبل دفع علاوة مقارنة بما يسمى السعر الصيني”.
وفي المقابل، شكك غاريث هاتش مؤسس شركة “تكنولوجي ماتيريالز ريسيرش” في قدرة الغرب على إيجاد طلب بديل على مغناطيس مرتفع الكلفة فـ”شعار معظم الشركات الغربية كان دائماً الأقل تكلفة مهما كان الثمن. لماذا يشترون من منتج مرتفع التكلفة إذا كانت البدائل الأرخص متاحة؟”.

تحديات المستقبل
وأشارت فايننشال تايمز إلى أن دول مجموعة السبع أعلنت في يونيو/حزيران نيتها وضع آلية لتوحيد المعايير، بينما ذهبت واشنطن أبعد في يوليو/تموز بضمان سعر مضاعف لشركة “إم بي ماتيريالز” في لاس فيغاس لمعدن النيوديميوم-برازيو ديوم، وتعهدت بشراء كامل إنتاج مصنع مستقبلي للمغناطيس، لكن هذه المحاولات تظل محدودة أمام واقع السوق.
وتخلص إلى أن الصين لم تربح فقط سباق العناصر النادرة، بل نصبت “فخاً إستراتيجياً” للغرب، فالمعضلة الأساسية لا تكمن في بناء مناجم جديدة أو مصانع حديثة فحسب، بل مواجهة نموذج اقتصادي صيني يقوم على دعم الدولة وتحمل الخسائر المؤقتة مقابل السيطرة الطويلة الأمد.
وهنا، يواجه الغرب خيارات صعبة، إما الاستمرار في الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية منخفضة الكلفة، أو تمويل بدائل محلية وأجنبية أعلى سعراً بشكل كبير، مع ما يحمله ذلك من أعباء على الشركات والمستهلكين.
وبحسب فايننشال تايمز، فإن هذا التوازن الهش يجعل فك الارتباط عن الصين مكلفاً وربما مستحيلاً في المدى القريب، لتبقى بكين ممسكة بورقة ضغط إستراتيجية في قلب الاقتصاد العالمي.