كانت الشهور الماضية حافلة بعدة حوادث تصدرت «الترند» في مصر، ما أثار تساؤلات بشأن ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في تضخيم تلك الوقائع، أم أنها حوادث كبيرة ومتكررة بالفعل. ولقد رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط»، أن وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) ربما باتت تلعب دور الرقيب لمحاسبة الجناة. وشدد آخرون على أن إتاحة حرية تداول المعلومات هي السبيل لمواجهة أي تضخيم أو تضليل إعلامي.
كان حادث المرور المروّع الذي شهده الطريق «الدائري الإقليمي» في محافظة المنوفية (دلتا مصر) خلال يونيو (حزيران) الماضي، عندما صدمت شاحنة نقل ثقيل حافلة ركاب، ما أودى بحياة 18 فتاة إضافة إلى سائق الحافلة، أحد أبرز الحوادث التي تصدرت «الترند»، وسلطت الضوء على مشاكل الطرق في مصر. وعلى الأثر، أصدرت الحكومة المصرية بيانات بشأن تعويضات للضحايا، وتفاعل المجتمع مع مأساتهم عبر تقديم رجل أعمال تعويضات إضافية لأسر الضحايا.
هذا الحادث بالذات سلط أيضاً الضوء على الطريق الدائري الإقليمي، ودفع وسائل الإعلام لإبراز الحوادث التي تقع عليه بشكل شبه يومي، ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى «التوجيه بدراسة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإغلاق الطريق الدائري الإقليمي في المناطق التي تشهد أعمال رفع الكفاءة والصيانة، مع وضع البدائل المناسبة والآمنة، وذلك حفاظاً على سلامة المواطنين».
ولكن، لم يقتصر الأمر على هذا الطريق؛ بل كثر الكلام عن حوادث الطرق عموماً في مصر، سواءً عبر مواقع التواصل أو من خلال وسائل الإعلام المؤسسي، ما بدا كأن هناك زيادة في هذه الحوادث، وإن كانت الأرقام الرسمية لا تشير إلى ذلك. إذ وفقاً لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» في مصر، بلغ عدد قتلى حوادث الطرق في البلاد 5260 شخصاً عام 2024، مقابل5861 عام 2023 بنسبة انخفاض 10.3 في المائة.
حوادث أخرى أبرزتها مواقع التواصل الاجتماعي المصرية أخيراً، كان بينها الغموض الذي رافق الكشف عن وفاة 6 أشقاء ووالدهم بصورة مفاجئة، في المنيا (صعيد مصر) خلال يوليو (تموز) الماضي، وانتشار شائعات عن «تلوث المياه» أو «إصابة الأسرة بمرض الالتهاب السحائي»، ليتضح فيما بعد «تورط زوجة الأب الثانية في ارتكاب الواقعة، بعدما دسّت مادة سامة بخبز الطعام الذي تعده لأنجال زوجها في إطار رغبتها بالتخلص منهم ووالدتهم»، وفق بيان وزارة الداخلية، وذلك بعد إقدام زوجها على ردّ الزوجة الأولى لعصمته أخيراً، وظناً منها بأنه سينفصل عنها.
أيضاً أُبرِزت واقعة وفاة ستة طلاب وإصابة 24 آخرين في حادث غرق بمحافظة الإسكندرية في أغسطس (آب) الماضي، وسط كلام عن إجراءات الحماية والتأمين على الشواطئ، وهو ما أثار تساؤلات عدة في مصر حيال دور مواقع التواصل الاجتماعي في إبرازها، لا سيما مع تكرارها بوتيرة متصاعدة.
تعتيم إعلامي ومعلوماتي
عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد، استبعد أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي متورّطة بتضخيم حجم الحوادث، موضحاً أن «الحوادث موجودة وكبيرة وكثيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي تبرزها وتنقلها للجمهور العام». وأضاف: «ما يراه البعض تضخيماً عند نشر مواقع التواصل الاجتماعي لحادث ما أو تسليط الضوء عليه وتصدّره الترند، هو نتاج لتعتيم معلوماتي». وتابع عماد أن «غياب الشفافية ونقص المعلومات يدفعان، بلا شكل، إلى تضخيم معلومات بديلة… بعضها قد يكون مغلوطاً أو مضللاً، ما يفاقم انتشار الشائعات».
ثم أشار عماد إلى أن «الإعلام لا يمكن أن ينجح ويتطور ويؤثر؛ إلا في مناخ من إتاحة المعلومات للجميع، ووقتها لن يكون هناك تضخيم للحوادث كما يرى البعض… وفي حال إتاحة المعلومات وزيادة حرية تداولها سيقل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الجمهور يلجأ للبدائل فقط إذا لم يجد الأصل متاحاً». وأردف: «تحول الحوادث إلى ترند وانتشارها بهذا الشكل، نابعان من تراجع الثقة في آليات المحاسبة، ما يجعل الجمهور يتفاعل بشدة مع أي حادث بهدف الضغط لمحاسبة المسؤولين عنه».
وبالفعل، أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في الدفع لمحاسبة الجناة، وإعادة إثارة قضايا مجتمعية؛ إذ أعاد حادث التحرش بعدد من الفتيات اللاتي كن يقُدن سيارة عبر «طريق الواحات»، بمحيط مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة المصرية، في أغسطس الماضي، الجدل بشأن وقائع التحرش في مصر، لا سيما بعد تداول فيديو الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي، أدى إلى توقيف عدد من المتهمين.
الحوادث ليست جديدة
من جهته، قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن «مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً في تسليط الضوء على الحوادث والوقائع المختلفة… أما الحوادث فليست جديدة؛ بل هي موجودة طوال الوقت، لكنها لم تكن تحظى بتغطية إعلامية تبرزها وتسلط الضوء عليها، لا سيما تلك الحوادث التي تقع في مناطق عشوائية أو نائية بعيدة عن المدن».
وأضاف: «مواقع التواصل الاجتماعي أعطت كل من يمتلك هاتفاً ذكياً فرصة لتصوير ونقل الوقائع من موقع الحدث… وبالتالي، فإقدام الناس على تصوير ونشر الحوادث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صار يضعها في بؤرة الضوء، ويشكل وسيلة ضغط تسهم في معالجتها». وأضاف صادق أن «مواقع التواصل لا تضخم الحوادث ولا تثيرها من العدم، فهي موجودة بالفعل، وكل ما يحدث هو تسليط الضوء عليها، وإثارتها أمام الرأي العام لدفع المسؤولين لاتخاذ خطوات قد تمنع تكرارها فيما بعد».
أما بشأن مطالبات البعض بمنع نشر الحوادث عبر مواقع التواصل، والاكتفاء بتبليغ الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، قال صادق إن «النشر وسيلة ضغط للدفع نحو محاسبة الجاني، لا سيما في ظل تراجع الثقة بشأن المحاسبة والعقاب مع تكرار الحوادث. وإلحاق العار بالجناة جزء من ثقافة العقاب المجتمعي في مصر».
التعتيم الإعلامي مسؤول عن التضخيم… ومواقع التواصل تؤدي الآن دور العدسة المكبّرة
وبينما حثّت النيابة العامة في مصر، المواطنين على الاستمرار في مبادرة الإبلاغ عن الوقائع والمخالفات المصورة، فإنها طالبتهم، في بيان نهاية أغسطس الماضي، بـ«الاكتفاء بالإبلاغ عبر المنظومة المخصصة، من دون نشر المقاطع على منصات التواصل الاجتماعي، تجنباً لارتكاب جريمة نشر، ولما قد يسببه ذلك من تقديم صورة غير لائقة عن المجتمع المصري».
عدسة مكبّرة
هنا يرى معتز نادي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، أن «مواقع التواصل الاجتماعي غدت أشبه بعدسة مكبّرة تلعب دور الرقيب الشعبي الذي يرصد أي سلبيات ويسعى لكشفها ويمارس ضغوطاً، عبر الصور والمنشورات والفيديو، لدفع الجهات المعنية للتفاعل واتخاذ الإجراءات اللازمة في إطار يحقق خدمة مجتمعية». وقال إن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي «يمكن ملاحظته من خلال ردود الفعل التي يحققها ترند معيّن تتبعه وسائل الإعلام المؤسسية، ما يدفع في النهاية إلى رد فعل رسمي يتجلى في بيانات حكومية توضح الملابسات وتحقق في الوقائع».
ويسوق نادي، في هذا السياق، أمثلة عديدة في الواقع المصري صدرت فيها بيانات من وزارات ومؤسسات رسمية، بينها «وزارة الداخلية التي أعلنت ضبط متهمين والتحقيق في وقائع أثارتها مواقع التواصل الاجتماعي وسلّطت الضوء على فاعليها، ناهيك بالاستغاثات التي توجه لوزارة الصحة المصرية، وبيانات المركز الإعلامي لمجلس الوزراء التي تتابع ما يجري تداوله على منصات التواصل وتحقق فيه وترد عليه لدحض الشائعات».