بدأ الناخبون الألمان الإدلاء بأصواتهم، اليوم الأحد، في انتخابات تشريعية تتصدرها المعارضة المحافظة بفارق كبير، بعد حملة شهدت بلبلة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وسجلت تقدمًا لليمين المتطرف.
وتجري الانتخابات التي يتابعها العالم بأسره، في وقت تواجه فيه أكبر قوة اقتصادية في أوروبا تراجع نموذجها للازدهار الاقتصادي، المتبع منذ الحرب العالمية الثانية.
فبين انكماش الاقتصاد والتهديد بحرب تجارية مع واشنطن، وإعادة النظر في الرابط الأطلسي و”المظلة” الأميركية التي كانت برلين تعول عليها حتى الآن لضمان أمنها، بات “مصير” ألمانيا على المحك، على ما أكد السبت زعيم المحافظين فريدريش ميرتس الذي يرجح أن يكون المستشار المقبل.
“البديل من أجل ألمانيا”
وفتحت مراكز الاقتراع في الساعة 8:00 بالتوقيت المحلي أمام أكثر من 59 مليون ناخب، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة 18:00 بتوقيت برلين عندها تصدر أولى استطلاعات الرأي، لدى الخروج من مراكز الاقتراع.
ويبدو ميرتس في موقع متقدم للفوز في الانتخابات، وتحويل مسار البلاد إلى خط يميني بعد الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس. وتشير استطلاعات الرأي إلى فوزه بحوالي 30% من نوايا الأصوات.
في المقابل، تمنح التوقعات حزب “البديل من أجل ألمانيا” ما لا يقل عن 20% من الأصوات، وهي نسبة قياسية لهذا الحزب اليميني المتطرف، تبلغ ضعف ما حققه في الانتخابات الأخيرة.
وفرض الحزب المعادي للهجرة والمؤيد لروسيا أجندته على الحملة الانتخابية، بعد عدد من الاعتداءات التي نفذها أجانب في ألمانيا، وآخرها كان مساء الجمعة حين أصيب سائح إسباني بجروح بالغة طعنًا عند النصب التذكاري للهولوكوست في برلين. وقبضت الشرطة على مشتبه به هو شاب سوري كان يريد “قتل يهود”، على ما أفاد القضاء.
وحظي “البديل من أجل ألمانيا” بدعم كبير على مدى أسابيع من أوساط ترمب. فيما لم يدخر مستشاره المقرب إيلون ماسك جهدًا للترويج لزعيمته أليس فايدل، التي تتصدر قائمة مرشحيه على منصّته “إكس”، إذ كتب كتب ماسك ليل السبت الأحد “البديل من أجل ألمانيا”، مرفقًا منشوره بأعلام ألمانية.
الحرب الأوكرانية الروسية
وتجري هذه الانتخابات المبكرة عشية الذكرى الثالثة للهجوم الروسي على أوكرانيا الذي كان له وقع الصدمة في ألمانيا، ولا سيما مع وقف إمدادات الغاز الروسي للبلد، واستقباله أكثر من مليون أوكراني.
وإلى مخاطر سلام تتفاوض واشنطن بشأنه مع موسكو حصرًا مستبعدة منه كييف والأوروبيين، تخشى ألمانيا كذلك التبعات الاقتصادية لرسوم جمركية مشددة أعلن ترمب أنه يعتزم فرضها على الأوروبيين.
وسئل الرئيس الأميركي عن الانتخابات الألمانية، فرد أنه يتمنى “حظًا سعيدًا” لهذا الحليف التاريخي للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنه يواجه “مشكلاته الخاصة”.
وتعمق الشقاق بين واشنطن وبرلين مع الخطاب الشديد النبرة التي ألقاه نائب الرئيس الأميركي جاي. دي. فانس في ميونخ، ودعا فيه الأحزاب التقليدية الألمانية إلى التخلي عن رفضها التحالف في الحكم مع اليمين المتطرف، وهي مسألة تعتبر من المحرمات في هذا البلد.
ورأى ميرتس الجمعة أنه “حتى بدون الأميركيين، يبقى موقعنا في قلب أوروبا”، داعيًا إلى منحه “تفويضًا قويًا من الناخبين”، حتى تتمكن ألمانيا من “الاضطلاع بدور قيادي” في أوروبا.
التأليف والحكومة
ومن المحتمل في ظل النظام البرلماني الألماني أن تستغرق المفاوضات أسابيع، أو حتى أشهر قبل تشكيل حكومة جديدة.
وفي سعيها لتشكيل ائتلاف حكومي، قد تتجه كتلة محافظي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي، التي تستبعد تحالفًا مع البديل من أجل ألمانيا، بالرغم من إبداء بوادر تقارب معه حول مسألة الهجرة خلال الحملة، إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وتمنح استطلاعات الرأي هذا الحزب 15% من نوايا الأصوات، ما يجعل منه شريكًا محتملًا.
وستكون هذه النسبة أسوأ نتيجة للحزب في فترة ما بعد الحرب، وستشكل على الأرجح نهاية مسار شولتس في السياسة، غير أنه يتحتم عليه تولي مهامه خلال الفترة الانتقالية. وقال ميترس مبديًا تفاؤله “آمل أن يتم إنجاز تشكيل الحكومة بحلول عيد الفصح” في 20 أبريل/ نيسان.
وسيكون من الصعب تحقيق هذا الهدف في حال عجز الحزبان المهيمنان على الحياة السياسية الألمانية منذ 1945، عن الحصول معًا على غالبية برلمانية، ما سيرغمهما على البحث عن شريك ثالث.
ويتوقف الأمر إلى حد بعيد على نتائج التشكيلات السياسية الصغيرة. فإن تخطت عتبة 5%، ستكون ممثلة في البرلمان، ما سيزيد من صعوبة تشكيل ائتلاف من حزبين.