وفق الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض، فإنّ عيد الشكر (Thanksgiving) في المقرّ الرئاسي الأميركي هو مناسبة هادئة بالنسبة إلى الرئيس وعائلته، يتخلّلها عشاء تقليدي على قائمته طبق الحبش أو الديك الرومي، والمحار من خليج تشيسابيك، وسمك الصخر من منطقة بوتوماك، والسلاحف من الشاطئ الشرقي، والتوت البري (كرانبيري) من كيب كود في ماساشوستس، إضافةً إلى فطيرتَي اليقطين والفاكهة المجففة.
ترمب يحب العيد في مارالاغو
خلال ولايته الرئاسية الأولى، نادراً ما أمضى دونالد ترمب عيد الشكر في البيت الأبيض. بقي هناك استثنائياً عام 2020 بالتزامن مع جائحة كورونا. لكنه يفضّل الانتقال والعائلة إلى منتجعه «مارالاغو» في بالم بيتش فلوريدا، حيث تقام مأدبة عشاء لا يقتصر حاضروها على أفراد العائلة، ولا تكتفي قائمة طعامها بالأطباق التقليدية.
وفق ترجيحات صحيفة «ذا بالم بيتش بوست» المحلّية، فإن ترمب لن يخالف التقليد هذه السنة، لا سيّما أن كل التحضيرات والتدابير الأمنية البرية والجوية في المدينة تشي بذلك. وإذا صدقت توقعات الصحيفة، فإنّ ترمب سيمضي عيد الشكر للمرة الرابعة كرئيس في مارالاغو.

في بادرة تجاه الشعب الأميركي، أعلن ترمب أن أطباق مائدة العيد ستطولها تخفيضات، وقد شمل ذلك أسعار الحبش والمكوّنات المرافقة له إضافةً إلى التوت البري، وفق صحيفة «ذا وول ستريت جورنال».
إلى جانب اهتماماته الاقتصادية، سيكون الرئيس منشغلاً هذه السنة بمتابعة مستجدّات خطة وقف الحرب في أوكرانيا التي يتزامن البتّ في شأنها مع احتفالية عيد الشكر. إلا أن التقاليد تقضي بأن يتناول طعام العشاء مع العائلة والأصدقاء وبأن يُمضي ساعتين من الوقت في اليوم التالي بممارسة رياضته المفضّلة، الغولف.
بذخ وأوبرا ورقص في مارالاغو
عام 2017، واحتفالاً بسنته الأولى في سدّة الرئاسة الأميركية، أقام ترمب مأدبة حافلة في مارالاغو تميّزت بديكوراتها الذهبية وبثريّات الكريستال، وبالأنواع النادرة من الأسماك التي أضيفت إلى قائمة الطعام.
لم يختلف الأمر كثيراً في العام التالي، إذ نشر موقع «ذا هيل» الإخباري الأميركي حينذاك، أن العشاء الحاشد ترافق مع أداء موسيقي لمغنية أوبرا. أما الأطباق فقد طغت عليها ثمار البحر والأسماك واللحوم، إلى جانب الأطعمة التقليدية الخاصة بالمناسبة.
كان عيد الشكر 2019 استثنائياً في سجلّ دونالد ترمب، إذ انتقل من مارالاغو إلى قاعدة باغرام الجويّة في أفغانستان ليفاجئ القوات الأميركية العاملة هناك. قدّم لهم أطباق الحبش وتناول الطعام معهم ثم التقط الصور التذكارية إلى جانبهم.
خلال الوقت المستقطع ما بين ولايتيه الرئاسيتين، حافظ ترمب على إقامة عشاء عيد الشكر في منتجع مارالاغو الذي يضمّ 58 غرفة نوم ويتّسع لمئات المدعوّين. وفي عام 2024، بالتزامن مع حملته الانتخابية، تحوّل العشاء إلى ما يشبه التجمّع الرئاسي. ظهر ترمب إلى جانب صديقه إيلون ماسك وهما يرقصان على نغمات أغنية YMCA.
واشنطن يُطعم السجناء ووودرو يوفّر الطعام
تعود بدايات عيد الشكر، الذي يُحتفل به حصراً في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، إلى عهد الرئيس المؤسس جورج واشنطن. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 1789، أصدر واشنطن مرسوماً يحدّد كل آخر يوم خميس من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عطلة عيد الشكر. جرى اقتباس الفكرة من تقاليد الفلاحين الذين كانوا يحتفلون منذ القرن الـ16 بنهاية موسم الحصاد، في تعبيرٍ عن الشكر والامتنان للمحاصيل الجيدة.
في عهد واشنطن، كانت المناسبة تكتسب معاني روحانية وإنسانية أكثر مما هي عليه في أيامنا هذه. ووفق موقع ورثة الرئيس الأميركي الأول، فهو أمضى النسخة الأولى من عيد الشكر عام 1789 ما بين الصلاة في كنيسة القديس بولس في نيويورك، وسجون المدينة؛ حيث قدّم الطعام للسجناء.
عام 1863 وبالتزامن مع الحرب الأهلية الأميركية، دعا الرئيس أبراهام لينكولن الأمة إلى مداواة جراحها واستعادة السلام والوئام والهدوء في جميع أنحاء البلاد.
لطالما أرْخت الحروب بظلالها على احتفالية عيد الشكر، ففي عام 1917 بالتزامن مع الحرب العالمية الأولى، اتسمت المناسبة بالتقشف؛ حيث اقتصر عشاء الرئيس وودرو ويلسون على حساء كريمة المحار، وطبق الحبش، وفطيرة اليقطين. كانت السيدة الأولى آنذاك تحرص على الالتزام ببرنامج توفير الغذاء.
الصفح عن الديك الرومي
في عهد لينكولن، استُحدث تقليد الصفح عن طائر الحبش من قِبَل الرئيس. وتقول الحكاية التي لا تؤكدها المصادر كافةً، إن ابن لينكولن، تاد، توسط من أجل الديك الرومي الذي كان من المفترض ذبحه وطهوه وتقديمه على المائدة الرئاسية.
ما زال هذا التقليد سارياً في البيت الأبيض حتى أيامنا هذه، حيث يقدّم طائر إلى الرئيس كي يصفح عنه وينقذه من الذبح. وقد اكتسب هذا التقليد طابعاً رسمياً في عهد الرئيس جورج بوش الأب، عندما منح عام 1989 العفو الرئاسي رسمياً لديك رومي عيد الشكر.
قبله، أطلق عدد من الرؤساء مواقف إيجابية تجاه ذلك التصرف الرمزيّ. في عام 1949 قدّم الرئيس هاري ترومان العفو لديك روميّ أهداه إياه وفد من «المجلس الوطني الأميركي للبيض والدواجن». لاحقاً حرر الرئيس جون كينيدي ديكاً رومياً، تلاه ريتشارد نيكسون الذي أرسل الطائر المخصص للبيت الأبيض إلى حديقة حيوانات.
أما باراك أوباما، وخلال احتفالية الصفح عام 2009، فعفا عن طائر حبش اسمُه Courage، أي شجاعة. ومازح الصحافيين حينذاك قائلاً: «أخبَروني أن الرئيسين آيزنهاور وجونسون أكلا الديك الرومي. اليوم يسرّني الإعلان أنه وبفضل تدخّلات ابنتيّ ماليا وساشا، سينجو Courage من مصيره المريع والشهيّ».
مع العلم بأن الرئيس أوباما وعائلته أمضوا معظم إجازات عيد الشكر وهم يؤدّون أعمالاً تطوّعية في ملاجئ المسنّين، وفي تقديم الطعام للمعوزين.
إلى جانب الصفح عن الديك الرومي والقيام بأعمال خيرية، من التقاليد الخاصة بعيد الشكر على أجندة الرؤساء الأميركيين، تخصيص وقت للقوات العسكرية العاملة خارج أراضي الوطن، لا سيما أولئك الذين يخدمون في مناطق النزاع. يقدّم الرؤساء الشكر والامتنان لهؤلاء، أكان من خلال زيارتهم في العراق وأفغانستان وسواها من البلاد وتناول العشاء برفقتهم، أو من خلال التواصل معهم هاتفياً.



