أثارت وفاة رجل دين في العاصمة العراقية بغداد، بعد تعرضه لاعتداء داخل أحد المساجد، غضباً واسعاً في الأوساط الدينية والسياسية، ودفع الحكومة العراقية إلى فتح تحقيق رسمي عالي المستوى.

وفارق عبد الستار القرغولي، وهو إمام وخطيب معروف في بغداد، الحياة يوم الجمعة بعد ما وصفته مصادر دينية وأمنية بـ«اعتداء جسدي داخل مسجد كريم الناصر» في منطقة الدورة جنوبي العاصمة. وتشير التقارير إلى أن الاعتداء تم من قبل مجموعة يعتقد أنها تابعة لتيار ديني.

ما الذي حدث؟

بحسب روايات متعددة من شهود عيان ومصادر دينية، فإن الحادث وقع خلال خلاف على من يلقي خطبة الجمعة داخل المسجد.

وكان من المقرر أن يتولى القرغولي الخطبة، وفقاً لجدول أعدّه الوقف السني، المؤسسة الرسمية المشرفة على المساجد في العراق، بالتناوب مع خطيب آخر من تيار يُعرف محلياً باسم «المدخليين».

لكن خطيباً آخر حضر إلى المسجد بصحبة مجموعة مكونة من نحو 30 شخصاً، يُقال إنهم جُلبوا من خارج المنطقة، وقاموا بمنع القرغولي من الصعود إلى المنبر، واحتجزوه في غرفة داخل المسجد.

ووفق روايات طبية وأمنية، تعرض القرغولي إلى دفع واعتداء جسدي، ما تسبب في أزمة قلبية حادة أدت إلى وفاته، خاصة أنه كان يعاني من مشكلات صحية مزمنة في القلب.

صورة متداولة للخطيب عبد الستار القرغولي (فيسبوك)

ردود فعل

أمر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ويشغل أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلحة، بفتح تحقيق فوري في الحادثة، وتشكيل لجنة يرأسها قائد عمليات بغداد، تضم ممثلين عن وزارة الداخلية، وجهاز الأمن الوطني.

وقال السوداني في بيان إن الحكومة «لن تتهاون في محاسبة أي جهة يثبت تورطها، أو تقصيرها»، مشدداً على أهمية «ترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي، ورفض كل أشكال التحريض والكراهية الدينية».

من جانبه، وصف ديوان الوقف السني الحادث بأنه «عمل إجرامي»، مؤكداً توقيف عدد من المتورطين، ومطالباً بحماية أئمة وخطباء المساجد الذين قال إنهم «يؤدون واجباً دينياً ووطنياً مهماً».

أما المجمع الفقهي العراقي، وهو من أبرز المؤسسات الدينية السنية في العراق، فقد طالب الرئاسات العراقية الثلاث بالتدخل، وإقامة دعوى على الخطيب المسؤول عن الحادثة.

عنصر أمني في بغداد (أ.ف.ب)

اتهامات سياسية

من جهته، أدان مصطفى البياتي، رئيس مجلس أئمة وخطباء منطقة الأعظمية في بغداد، الحادثة بشدة، متهماً ما سماهم «بلطجية مدعومين سياسياً» بالوقوف وراء الهجوم، ومحذراً من أن هذه الجماعات تمثل «تهديداً متصاعداً، وتعمل حاضنة للتطرف».

واتهم البياتي أطرافاً سياسية بعرقلة تنفيذ قرارات أمنية سابقة كانت تهدف لمنع نفوذ مجموعات متشددة داخل المساجد. وقال إن ما حدث «نتيجة للتراخي السياسي، وغياب الحزم أمام جماعات متطرفة تثير الفتنة في المجتمع».

وحسب مراقبين، فإن الحادثة سلطت الضوء على صراع داخل المؤسسة الدينية في العراق بين تيارات مختلفة تتنافس على النفوذ داخل المساجد، والتي بدأت تتصاعد مع قرب الانتخابات العراقية.

ومنذ سنوات، تشهد مساجد في بغداد وغيرها من المحافظات محاولات من جماعات دينية لبسط نفوذها، وسط اتهامات بتلقيها دعماً سياسياً من أطراف متنازعة انتخابياً.

تأتي الحادثة بعد أيام فقط من تحذير رئيس الوزراء العراقي من «أصوات مأزومة تريد جرّ البلاد إلى الفتنة وعدم الاستقرار»، في إشارة ضمنية إلى نشاطات جماعات دينية وسياسية متشددة.

شاركها.
Exit mobile version