أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حلّ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس آيد) في إطار تخفيضات كاسحة للمساعدات الخارجية، تعكس انسحابًا متسارعًا من الدور القيادي العالمي.
يأتي هذا القرار الذي وصفته دوائر سياسية واجتماعية أميركية بالعبثي، في سياق سياسات انعزالية تهدف إلى تقليص التزامات واشنطن الدولية، متجاهلًا التداعيات الإنسانية والسياسية المترتبة عليه.
فراغ في القوى الدولية الناعمة
ومع نقل بعض مهام الوكالة إلى وزارة الخارجية الأميركية وإلغاء مهام أخرى، تتلاشى عقود من الجهود التنموية التي شكلت حجر الأساس لسياسات القوة الناعمة الأميركية، ما يترك فراغًا قد تستغله قوى أخرى لملء فراغ المشهد العالمي.
ولطالما قُدمت (يو إس آيد) باعتبارها رمزًا للالتزام الإنساني والمسؤولية العالمية، حيث قَدمت المساعدات الغذائية والصحية والتنموية لملايين المحتاجين.
ولم تكن الوكالة الأميركية مجرد أداة دبلوماسية، بل تجسيدًا حيًا للقيم التي تروجها واشنطن في دعم حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، من محاربة الأوبئة إلى تمكين المجتمعات الفقيرة.
وندّد الديمقراطيون في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بالقرار، مشيرين إلى أن إجراء إدارة ترمب يؤكد أن المصالح الضيقة باتت تتقدم على المبادئ التي روجت لها واشنطن لعقود.
ولا يعني حل الوكالة انكماشًا للدور الأميركي فقط، بل ينذر بخلخلة كبيرة في العلاقات الدولية، حيث يترك فراغًا خطيرًا في مناطق النزاع والكوارث الإنسانية.
وستتجه الدول التي اعتمدت على المساعدات الأميركية شرقًا وفقًا لسياسيين ديمقراطيين أميركيين، مما يمنح الصين وروسيا فرصة ذهبية لتعزيز نفوذهما عبر استثمارات بديلة.
كما أن الحلفاء التقليديين لواشنطن، الذين رأوا في هذه المساعدات جزءًا من التحالفات الإستراتيجية، سيعيدون النظر في مدى موثوقية الولايات المتحدة كشريك دولي.
“انقلاب عسكري قاس ووحشي”
وفي هذا الشأن، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية وليام لورانس أن هدف إدارة ترمب لا يرتبط بإعادة هيكلة الوكالة أو إعادة تشكيلها وإنما تفكيك الحكومة، واقتطاع 2 تريليون دولار أميركي من خلال إغلاق أبواب الكثير من الوكالات الحكومية.
ينفذ ترمب حملة يقودها أكبر مموليه إيلون ماسك لتقليص بعض القطاعات الحكومية أو إلغائها – غيتي
ويتابع لورانس في حديثه إلى التلفزيون العربي من كارولاينا الشمالية، أن هناك الكثير من الهيئات الحكومية التي يريد ترمب أن يتخلص منها كي لا ينفق الأموال، “ولأن واحدًا بالمئة من الأثرياء الأميركيين يدفعون الضرائب وبإغلاق الوكالة “يمكن تعويض هذه الضرائب وتقليص نفوذ الولايات المتحدة باستثناء النفوذ الدفاعي”.
ويشير إلى وجود ثلاث استثناءات مهمة في مسألة وقف التمويل الأميركي، أولهما مرتبط بتوفير الغذاء، و”الاستثناءان الآخران يخصان إسرائيل ومصر في ما يتعلق ببعض المساعدات العسكرية المرتبطة بالوكالة.
ويستطرد أن هذه المساعدات ستستمر لارتباطها باتفاقية كامب ديفيد المبرمة عام 1978.
“هناك 20 مليون إنسان يحصلون على مساعدات طبية من (يو إس آيد)” يقول لورانس، الذي يعتبر أن تفكيك الوكالة وتوفير الأموال لأصحاب المليارات خطأ.
ويضيف أن الولايات المتحدة ستصبح “دولة سلطوية” وأن ما يجري أشبه بـ”انقلاب عسكري قاسٍ ووحشي”.
“ضربة للدبلوماسية الدولية”
من جانبه، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف الدكتور حسني عبيدي أن تفكيك الوكالة الأميركية ضربة للدبلوماسية الدولية التي يحاول ترمب التقليل من شأنها.
ويشير عبيدي في حديثه إلى التلفزيون العربي من جنيف، إلى أن هذا القرار يدخل في إطار ما يسمى بالسياسة متعددة الأطراف.
ويقول إن “خروج الولايات المتحدة سيجعل الدول الأوروبية وحيدة”.
وفيما يلفت إلى أن الولايات المتحدة كانت تساهم بنصف الميزانية الموجهة لكل المنظمات غير الحكومية والبرامج الإنسانية، يؤكد أن خروجها لا يمكن لأحد أن يعوضه.
ويضيف أن هناك دهشة وخيبة أمل كبيرة من حل الوكالة التي شعارها (من الشعب الأميركي)، وتخوفًا كبيرًا على البرامج مع العديد من دول الجنوب التي كانت الوكالة شريكًا أساسيًا فيها، متسائلًا عن مصير كل من يحتاج إلى هذه المساعدات الدولية.
“نوعان من التأثير لقرار تفكيك الوكالة”
ومن ناحيته، يفيد عميد كلية الاقتصاد والإدارة والسياسات العامة في معهد الدوحة للدراسات العليا أيهب سعد بأن حجم المساعدات في آخر خمس سنوات كان 20 مليار دولار تقريبًا، بمعدل 4 مليار دولار سنويًا.
ويُفصّل سعد في حديثه إلى التلفزيون العربي من الدوحة، قوله بأن الأكثر استفادة من هذه المساعدات بالمنطقة هي الأردن ومصر والضفة الغربية وقطاع غزة واليمن وسوريا والعراق، مشيرًا إلى أن حصة كل دولة تتراوح ما بين 700 مليون إلى مليار دولار لكل دولة.
ويجزم سعد أن هناك نوعين من التأثير لقرار تفكيك الوكالة، أولهما تأثير لحظي سيطال الفئة الأكثر تهميشًا لكون ثلثَي المساعدات تقريبًا مرتبط بالمساعدات الإنسانية خاصة في مناطق النزاع مثل الضفة الغربية وقطاع غزة واليمن وسوريا.
ويتابع أن التأثير الآخر طويل الأمد مرتبط بثلث المساعدات تقريبًا، وهي تنموية خاصة في الأردن ومصر، وتتعلق بمساعدة وتحفيز القطاع الخاص والشركات الصغيرة وإعادة تأهيل الاقتصاد والمؤسسات، على حد قوله.