تستعد العاصمة البريطانية لندن لاستقبال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يوم الثلاثاء، في زيارة دولة ثانية تاريخية، وسط ترقب كبير لإبرام اتفاقيات اقتصادية وتكنولوجية ضخمة. تتصدر المشهد شركتا التكنولوجيا العملاقتان «إنفيديا» و«أوبن إيه آي»، اللتان تضمان أبرز الأسماء في الوفد التجاري المرافق لترمب، مما يرسل رسالة واضحة بأن التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، هي محور هذه الزيارة الاستثنائية.
في خطوة هامة، أعلنت السفارة البريطانية في واشنطن عن استعداد البلدين لتوقيع اتفاقية تكنولوجية غير مسبوقة. تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون بين قطاعي التكنولوجيا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللذين تتجاوز قيمتهما الإجمالية تريليون دولار. ووفقاً للسفارة، ستركز الشراكة على مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، الاتصالات، الحوسبة الكمومية. ومن شأن هذا التعاون أن يفتح آفاقاً جديدة للشركات والمستهلكين في كلا البلدين.
خلال الزيارة، من المتوقع أن يعلن الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، سام ألتمان، ورئيس شركة «إنفيديا»، جينسن هوانغ، عن صفقة استثمارية كبيرة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة، وفق صحيفة «فاينانشال تايمز». تهدف هذه الصفقة إلى تمويل مشاريع ضخمة لتطوير مراكز بيانات جديدة، قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات. هذه الخطوة تأتي في إطار موجة عالمية من الاستثمارات التي تهدف إلى بناء بنية تحتية رقمية «سيادية» لحلفاء الولايات المتحدة.
وبحسب مصادر مطلعة، سيشمل هذا التعاون توزيع المهام: حيث ستوفر الحكومة البريطانية الطاقة اللازمة للمشروع، وستقدم «أوبن إيه آي» إمكانية الوصول إلى أدواتها وتقنياتها في الذكاء الاصطناعي، فيما ستزود «إنفيديا» المشروع بالرقائق الضرورية لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.
وأضافت المصادر أن التفاصيل الكاملة لمشروع الاستثمار لم يتم الانتهاء منها بعد.
يأتي هذا الإعلان بعد لقاء هوانغ برئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، في يونيو (حزيران) الماضي، حيث حذّر هوانغ من افتقار بريطانيا للبنية التحتية الرقمية، مما دفع ستارمر إلى التعهد بإنفاق مليار جنيه إسترليني إضافي لتعزيز قدرات البلاد في مجال الحوسبة.
وقالت وزيرة التكنولوجيا البريطانية، ليز كيندال، التي عُيّنت في منصبها في 5 سبتمبر (أيلول)، في بيان: «ستُحدث التقنيات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، تحولات جذرية في حياتنا».
وأفادت قناة «سكاي نيوز» يوم السبت بأن شركة «بلاك روك» تخطط لاستثمار 700 مليون دولار في مراكز البيانات البريطانية، ضمن سلسلة صفقات سيُعلن عنها خلال زيارة ترمب.
ومنذ بداية العام، نشر البلدان خطط عمل في مجال الذكاء الاصطناعي. وتفتتح شركات أميركية، مثل «أنثروبيك» و«أوبن إيه آي»، مكاتب دولية لها بشكل متزايد في لندن، بينما تواصل شركات بريطانية مثل «ديب مايند» الاستثمار في مشاريع التعاون عبر الأطلسي.
استثمارات أميركية ضخمة في الخدمات المالية
لا تقتصر المكاسب البريطانية على قطاع التكنولوجيا فقط. فقبل وصول ترمب، أعلنت الحكومة البريطانية عن استثمارات أميركية خاصة تزيد قيمتها على 1.25 مليار جنيه إسترليني (1.69 مليار دولار) في قطاع الخدمات المالية في بريطانيا. وتوقعت الحكومة أن تسهم هذه الاستثمارات في خلق 1800 وظيفة جديدة، إلى جانب تعزيز الخدمات المقدمة لملايين العملاء في مختلف أنحاء البلاد.
الاتفاق الجديد يؤمن تجارة بقيمة 20 مليار جنيه إسترليني بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بما في ذلك التزام متوقع من شركة «بلاك روك» – أكبر مدير للأصول في العالم – بقيمة 7 مليارات جنيه.
ومن المنتظر أن تضخ الاتفاقية أكثر من 8 مليارات جنيه من الاستثمارات والالتزامات الرأسمالية في المملكة المتحدة، في حين يتدفق أكثر من 12 مليار جنيه في الاتجاه المعاكس، مما يخلق فرص عمل على جانبي الأطلسي.
شركات أميركية كبرى تدخل السوق البريطانية
ومن بين هذه الاستثمارات:
- «بنك أوف أميركا»: سيؤسس أول عملية له في آيرلندا الشمالية، ويوفر ما يصل إلى 1000 وظيفة جديدة في بلفاست.
- مجموعة «سيتي غروب»: تعتزم استثمار 1.1 مليار جنيه إسترليني في عملياتها بالمملكة المتحدة.
- «باي بال» و«ستاندرد آند بورز غلوبال»: الأخيرة ستوفر 200 وظيفة دائمة في مانشستر من خلال استثمار بقيمة 4 ملايين جنيه.
ووصف وزير الأعمال والتجارة البريطاني، بيتر كايل، هذه الاستثمارات، بأنها تعكس قوة العلاقة «الخاصة» بين البلدين، وتؤكد مكانة المملكة المتحدة كمركز مالي عالمي. وقال إن هذه الاستثمارات تعكس قوة «الممر الذهبي» المستمر بين المملكة المتحدة وأحد أقرب شركائها التجاريين.
من جهتها، قالت وزيرة المالية، رايتشل ريفز، إن التزام المؤسسات المالية الأميركية الكبرى «يُظهر الإمكانات الهائلة للاقتصاد البريطاني»، ويعكس «العلاقة القوية بين البلدين».
مطالبات برلمانية بتنازلات جمركية
في المقابل، يطالب أعضاء في البرلمان البريطاني حكومة بلادهم بضرورة استغلال هذه الزيارة للضغط على الولايات المتحدة للحصول على إعفاءات جمركية إضافية. ورغم التوصل إلى اتفاق سابق خفض الرسوم على صادرات السيارات والطيران، فإن الرسوم على الصلب البريطاني لا تزال عند 25 في المائة، مما يهدد الوظائف ويؤخر الاستثمارات.
وأشار رئيس لجنة الأعمال والتجارة في مجلس العموم، ليام بيرن، إلى أن الزيارة «ليست مجرد احتفال»، بل فرصة حاسمة لتحسين شروط الاتفاق الاقتصادي بين البلدين.
كما دعت اللجنة البرلمانية إلى الانتهاء من الاتفاقيات المتعلقة بالألمنيوم والقطاع الدوائي، بما يتماشى مع التحول البريطاني نحو الإنتاج منخفض الكربون. كما شددت على أهمية استخدام الشراكة مع الولايات المتحدة لتعزيز موقف المملكة المتحدة في مواجهة الصين، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الدفاعية، إلى جانب تحسين الوصول إلى المعادن الحيوية.
وأكد متحدث باسم الحكومة أن العلاقة «الخاصة» بين البلدين لا تزال قوية، مشيراً إلى أن المملكة المتحدة «لا تزال الدولة الوحيدة التي تجنبت رسوماً بنسبة 50 في المائة على الصلب والألمنيوم».