أكدت ميساء صابرين حاكمة مصرف سوريا المكلفة بتيسير الأعمال، أنها تريد تعزيز استقلالية البنك المركزي فيما يتعلق بقرارات السياسة النقدية، فيما سيكون تحولًا كبيرًا عن رقابة الدولة المشددة على البنك أثناء حكم نظام بشار الأسد.
وتولت صابرين، التي كانت تشغل ثاني أهم منصب في مصرف سوريا المركزي، منصب القائم بأعمال الحاكم خلفًا لمحمد عصام هزيمة في أواخر العام الماضي.
وأواخر العام الماضي عينت الإدارة السورية الجديدة صابرين، التي كانت تشغل النائب السابق لحاكم المصرف، وهي أول امرأة تتولى قيادة المؤسسة في تاريخها الممتد لأكثر من 70 عامًا، لتحل محل محمد عصام هزيمة الذي عينه بشار الأسد محافظًا للمصرف المركزي في عام 2021.
وهي مثال نادر لموظف حكومي سابق تمت ترقيته من قبل الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الفائت وهروبه إلى روسيا.
واتخذ المصرف منذ تسلم الإدارة السورية الجديدة خطوات، من بينها إلغاء ضرورة الحصول على موافقات مسبقة للتصدير أو الاستيراد وتشديد القيود على استخدام العملة الأجنبية، من أجل تحرير الاقتصاد الذي كان خاضعًا بشدة لسيطرة الدولة.
لكن سوريا والمصرف نفسه لا يزالان يخضعان لعقوبات أميركية صارمة.
وقالت صابرين لوكالة “رويترز”: “البنك المركزي يعمل على إعداد مشاريع تعديل قانون المصرف بما يعزز استقلاليته ويشمل ذلك السماح له بمزيد من الحرية في اتخاذ القرارات بشأن السياسة النقدية”.
وتحتاج هذه التغييرات إلى موافقة السلطة الحاكمة الجديدة في سوريا، لكن العملية غير واضحة في هذه المرحلة. ولم تعط صابرين أي إشارة إلى توقيت حدوث ذلك.
استقلال البنك المركزي
ويرى خبراء الاقتصاد أن استقلال البنك المركزي أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والقطاع المالي على المدى الطويل.
ورغم أن المصرف المركزي السوري كان دائمًا، من الناحية النظرية، مؤسسة مستقلة، فإن قرارات السياسة النقدية التي اتخذها البنك في ظل نظام الأسد كانت تحددها الحكومة فعليًا.
وأشارت صابرين أيضًا إلى أن البنك المركزي يبحث عن سبل لتوسيع الخدمات المصرفية الإسلامية نظرًا لوجود شريحة من السوريين يتجنبون استخدام الخدمات المصرفية التقليدية.
وأضافت: “قد يشمل ذلك منح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية خيار فتح فروع مصرفية إسلامية”. والخدمات المصرفية الإسلامية موجودة بالفعل في سوريا.
وكانت القدرة المحدودة على الوصول إلى التمويل الدولي والمحلي جعلت حكومة النظام، تستخدم البنك المركزي لتمويل عجزها، مما أدى إلى تأجيج التضخم.
وقالت صابرين إنها حريصة على تغيير كل ذلك، مضيفة أن البنك يريد تجنب الاضطرار إلى طباعة الليرة السورية لانعكاس أثر ذلك في معدلات التضخم.
وامتنعت صابرين عن ذكر تفاصيل عندما سئلت عن حجم احتياطيات النقد الأجنبي والذهب الحالية، وقالت إن مراجعة الميزانية العامة لا تزال جارية.
ويخضع المصرف المركزي السوري وعدد من الحكام السابقين للعقوبات الأميركية التي فرضت بعد قمع الأسد العنيف للثورة عام 2011.
وقالت صابرين إن المصرف لديه ما يكفي من أموال لتغطية دفع رواتب موظفي القطاع العام حتى بعد الزيادة التي تعهدت بها الإدارة الجديدة بنسبة 400%.
تحدي التضخم والعقوبات
يقول محللون إن استقرار العملة ومعالجة التضخم سيكونان من المهام الرئيسية لصابرين، بالإضافة إلى إعادة وضع القطاع المالي على الطريق الصحيح.
وكشفت بيانات من مجموعة بورصات لندن والبنك المركزي أن قيمة العملة السورية انخفضت من حوالي 50 ليرة مقابل الدولار في أواخر عام 2011 إلى ما يزيد قليلًا عن 13 ألف ليرة مقابل الدولار أمس الإثنين.
وقدر البنك الدولي في تقرير أصدره في ربيع عام 2024 أن التضخم السنوي قفز بنحو مئة بالمئة على أساس سنوي في العام الماضي.
وبينّت صابرين، التي تشرف منذ فترة وجيزة على القطاع المصرفي، أن البنك المركزي يتطلع أيضًا إلى “إعادة هيكلة البنوك الحكومية وتنظيم عمل مؤسسات الصرافة” والتحويلات، التي أصبحت مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة والتي تعتمد عليها شريحة واسعة من السوريين.
وفرض النظام السابق، قيودًا صارمة على استخدام العملة الأجنبية لدرجة أن العديد من السوريين كانوا يخشون حتى من نطق كلمة “دولار” في الشوارع خشية الاعتقال.
غير أن الإدارة الجديدة ألغت هذه القيود حتى أصبح السكان يلوحون الآن بكميات كبيرة من الأوراق النقدية في الشوارع ويبيعونها من الصناديق الخلفية للسيارات التي تقف إحداها خارج مدخل البنك المركزي.
وللمساعدة في استقرار البلاد وتحسين الخدمات الأساسية، وافقت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي على إعفاء المساعدات الإنسانية وقطاع الطاقة وإرسال التحويلات المالية إلى سوريا من العقوبات رغم تأكيدها أن البنك المركزي نفسه لا يزال خاضعًا للعقوبات.
وقالت صابرين: “القطاع المصرفي لا يستفيد من الإعفاء من العقوبات الأميركية الصادر يوم الإثنين، لكن السماح بالتحويلات الشخصية كان خطوة إيجابية”، وأعربت عن أملها في رفع العقوبات بالكامل حتى يتمكن القطاع المصرفي من الارتباط بالنظام المالي العالمي”.