تواصل إسرائيل إعادة تشكيل الضفة الغربية بالقوة، مستهدفة المخيمات الفلسطينية، بسياسة هدم وتجريف ممنهجة.
فبعدما دمرت معظم منازل مخيم جنين وفتحت 5 كيلومترات من الطرقات، تسعى إلى تكرار السيناريو ذاته في مخيمي نور شمس وطولكرم، حيث أزالت 30 منزلًا، ووسعت الطرقات لفرض سيطرتها المطلقة.
ولا يخفي الجيش الإسرائيلي نواياه؛ فخططه جاهزة لتوسيع العمليات متى شاء، متذرعًا بملاحقة المسلحين، بينما الحقيقة تكشف مساعي طمس الهوية الفلسطينية وتحويل المخيمات إلى أحياء خاضعة للقبضة العسكرية.
“تهجير قسري وتغيير ديموغرافي”
وبين الحواجز العسكرية ونقاط العزل، تحكم إسرائيل قبضتها، محولة الضفة إلى ساحة مفتوحة للتهجير القسري والتغيير الديموغرافي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وصمت دولي مريب وغير مبرر.
وفي سياق متصل، تفيد صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية بأن “الخطط جاهزة”، وسيتم تفعيلها في حال تنفيذ ما وصفته بالعمليات المسلحة ضدها أو استخدام جغرافيا المخيمات ساحة تنطلق منها الهجمات.
وتقوم الخطة التي أشارت إليها “يديعوت أحرونوت” على أن الجيش الإسرائيلي يعمل للحفاظ على حرية عمله داخل المخيمات.
إذًا هي سياسة استعمارية تمارسها إسرائيل في الضفة الغربية، حيث تتسع رقعة الاعتداءات لتشمل قتل الفلسطينيين وتهجيرهم المنهجي، فمنذ عام 2023 قتلت إسرائيل ما يزيد عن 900 فلسطيني خلال الحملات العسكرية على الضفة الغربية التي بلغت ذروتها بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لعام 2023.
إلى ذلك، تكشف الشهادات الحية للفلسطينيين عن واقع يومي مرعب، حيث يعيث المستوطنون فسادًا تحت حماية جيش الاحتلال، مدركين أنهم فوق القانون، والهدف واضح وفق وسائل إعلام أوروبية وهو تفريغ الضفة الغربية كما تفعل في غزة، في انتهاك سافر لكل الأعراف الدولية.
ما أهداف إسرائيل من العدوان على مخيمات الضفة؟
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير بالشأن الإسرائيلي عادل شديد، أنه لا يمكن فصل ما يحدث في مخيمات شمال الضفة الغربية عما يحدث في كل أنحاء الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن ما يحدث في الضفة بدأ العمل به قبل 7 أكتوبر 2023، منذ أن تشكلت الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من الخليل جنوب الضفة، أضاف شديد أن الانتقال من مرحلة ما يسمى إدارة السلام الاقتصادي إلى المرحلة النهائية بحسم الصراع وجزء منها المخيمات، هو ضمن جوهر برنامج الحكومة الإسرائيلية.
وتابع أن إسرائيل لا تريد فقط طمس وإلغاء المخيمات كآخر شاهد على نكبة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، إنما تريد إعادة تشكيل الضفة الغربية جغرافيًا وديمغرافيًا وسياسيًا، بما فيها دور السلطة الفلسطينية.
تستهدف إسرائيل مخيمات الضفة بسياسة هدم وتجريف ممنهجة – غيتي
وأردف شديد أن الاحتلال يسعى من خلال خططه بالضفة إلى إسقاط المخيم من الوعي الفلسطيني، ومن الذاكرة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الاحتلال من خلال مساعيه لطمس المخيمات بالضفة، يريد أيضًا إلغاء مبرر بقاء وكالة الأونروا.
وأوضح أن الاحتلال يريد إحداث تغير ديمغرافي في الضفة، مشيرًا إلى أن مخيمات شمال الضفة في السنوات الأخيرة الماضية شكلت بنى تنظيمية تجاوزت ما يسمى بالحالة الفصائلية، وضمت كل القوى الفلسطينية.
سياسة “التدمير الصامت”
من جهته، أفاد وكيل دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية أنور حمام بوجود حوالي 45 ألف نازح من المخيمات الفلسطينية بالضفة.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من رام الله وسط الضفة، أن إسرائيل تستخدم سياسة “التدمير الصامت”، حيث تعمل الجرافات ليلًا نهارًا داخل المخيمات ولا أحد يعرف عدد الوحدات السكنية التي يتم تدميرها.
وفيما أشار إلى أن عمليات النزوح في المخيمات الفلسطينية بالضفة لم تبدأ فقط خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، لفت حمام إلى أن التهجير القسري بدأ منذ قبل 7 أكتوبر 2023.
وتابع حمام أن هناك عمليات تهجير قسري في القدس، وفي التجمعات البدوية، بالإضافة إلى المخيمات الفلسطينية، مشيرًا إلى تهديدات إسرائيلية يومية بأن عمليات التهجير ستطال باقي المخيمات.
وأردف: “لا يمر يوم إلا وهناك اقتحام للمخيمات الفلسطينية في الضفة، وعمليات تخريب يومية للمنازل والمرافق العامة وممتلكات المواطنين”.
وتابع أن السلطة الفلسطينية شكلت لهذا الأمر “لجنة وزارية للأعمال الطارئة” لإيواء أبناء الشعب الفلسطيني، والإعداد لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال.
وأشار حمام إلى وجود تداعيات وآثار خطيرة للعدوان الإسرائيلي على حياة الفلسطينيين في مخيمات الضفة، حيث حُرم آلاف الطلبة من التعليم الوجاهي، بالإضافة إلى تدمير سبل الحياة في المخيمات من خلال تدمير المنشآت التجارية، وتعطيل كل برامج الأونروا.
وتابع أن ما يشجع إسرائيل على المضي قدمًا في هذا التدمير، أنها ترى نفسها دولة فوق القانون، ولطالما تفلت من العقاب.
إزالة الوجود الفلسطيني
من ناحيته، رأى ليكس تاكينبرغ، مستشار أول في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، أن ما يحدث في الضفة الغربية يندرج في إطار الحرب على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، حيث الإبادة المستمرة والتطهير العرقي، والنزوح القسري، والهجوم على اللاجئين ووكالة الأونروا.
وفي حديث للتلفزيون العربي من تولوز، أضاف تاكينبرغ أن ممارسات الاحتلال في الضفة لم تبدأ منذ السابع من أكتوبر 2023، بل هي سياسة مستمرة منذ النكبة التي فرضها المشروع الاستعماري لإزالة الوجود الفلسطيني من فلسطين التاريخية.
وأشار تاكينبرغ إلى أن الحقوق الأساسية للاجئين الفلسطينيين هي الحق في العودة إلى أماكنهم والحفاظ على منازلهم التي دمرت والعودة إليها.