رسمت حكومة تصريف الأعمال السورية بقيادة محمد البشير معالم طريقها عبر تحديد الأولويات في المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد بعد إسقاط نظام بشار الأسد.
فقد حثت حكومة البشير السوريين على العودة إلى الوطن، وصيانة حقوق الناس والطوائف، وإعادة الاستقرار والأمن، وبسط سلطة الدولة، علاوة على توفير الخدمات الأساسية، في مواجهة تركة إدارة فاسدة ورثتها عن نظام الأسد.
كما تدخل الحكومة الجديدة المشهد في ظل صعوبات اقتصاد متهالك، ونفاد العملة الأجنبية، وسط تعهدات بمحاكمة مجرمي الحرب من نظام بشار، وفقًا للقوانين السورية الحالية.
بين الأمل والترقب
وتزامن خطاب حكومة تصريف الأعمال مع تعليمات برفع حظر التجول في دمشق، وعودة الحياة في أغلب المحافظات والمدن والبلدات السورية تدريجيًا برجوع الخدمات الأساسية.
كما باشرت حكومة النظام السابقة بقيادة غازي الجلالي تسليم مهامها للحكومة الجديدة، وسط تأكيدات هذا الأخير أن وزارات عدة بدأت تدار بالفعل من الوزراء الجدد، على الرغم من وجود تحديدات في العمل، على رأسها وجود ترهل إداري كبير.
الشرع يطالب الدول الغربية بعدم الخشية بعد الإطاحة بنظام الأسد – غيتي
وبالتوازي مع طمأنة قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع الدول الغربية بعدم الخشية بعد الإطاحة بنظام الأسد، تتراوح ردود الفعل الدولية بشأن ما حدث بسوريا بين الأمل والترقب.
فقد دعت دول عربية إلى انتقال سلمي وسلس للسلطة، إضافة إلى دعوة واشنطن للعرب إلى مساعدة الشعب السوري، بينما قالت إيران إن “سقوط النظام السابق كان نتيجة مخطط أميركي إسرائيلي ودور دولة جارة”.
الانتقال من الثورة إلى الدولة
في هذا الإطار، يرى نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري، عبد المجيد بركات، أن سوريا في مرحلة مهمة بعد الانتقال من مرحلة الثورة إلى الوجود في دمشق، حيث “اختلفت الاستحقاقات والمفاهيم والمسؤوليات”.
ويعتبر بركات في حديث إلى التلفزيون العربي من اسطنبول أن المسؤوليات التي تقع على عاتق المعارضة السياسية والعسكرية “كبيرة” في هذه الظروف التي تعيشها البلاد.
ويلفت إلى أن تراكم الخبرات لدى السوريون على مدار الأعوام الماضية قد “يحيد” الكثير من الإشكاليات التي قد تحدث في طور التحول من حالة الثورة إلى حالة الدولة.
وإذ يشدد على أن هناك الكثير من العقبات والتحديات التي قد يواجهها السوريون في هذه المرحلة، أوضح أن ذلك يعود إلى وجود “دولة شبه فاشلة وشبه منتهية” طوال العقود الماضية، بسبب سياسات الأسد الابن والأب، حيث عملا على “مصادرة كاملة لمفهوم الدولة”.
ويرى أن سوريا في هذه المرحلة تعيش تحت إدارة “حالة الطوارئ” بسبب الوضع الأمني وضرورة ضبطه، وهو ما يستدعي وجود التشكيلات العسكرية والأمنية، إضافة إلى محاربة الجماعات الإرهابية في شرق الفرات، وفق رأيه.
أولوية ضبط الأمن أساسية
من جهته، يرى الدكتور مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن أولوية فرض الأمن وضبط الفوضى التي حددتها حكومة البشير “أساسية ومهمة” للوضع المعيشي في البلاد.
ويعتبر في حديث إلى التلفزيون العربي من الدوحة أن الناس الذين يعيشون وضعًا مشابهًا لما يجري الآن في سوريا، ولا سيما في المرحلة الانتقالية، “يتوقعون أن تتحسن أحوالهم سريعًا” على صعيد أزمات الخبز والكهرباء والوقود والمواصلات.
ويلفت إلى أن حكومة البشير تبدو أنها تضعها هذه الأولويات ضمن خطتها في هذه المرحلة، لا سيما ضبط الأمن ومنع الفوضى ومنع التعديات على الممتلكات العامة والخاصة.
ويشدد على أن عملية جمع السلاح تعد من التحديات الكبيرة أمام الحكومة، سواء سلاح الأفراد أو سلاح الفصائل المسلحة.
كما يشير إلى تساؤلات بشأن “عملية التعاون المتوقعة” بين حكومة النظام القديمة والحكومة الجديدة، إضافة إلى إمكانية وجود مخاوف من حكومة النظام القديم بشأن “تفكيك القوى الأمنية وغيرها من الأجهزة” في الدولة.
وخلافًا لذلك، يوضح قبلان أن التحديات كبيرة على الصعد الاقتصادية والأمنية والسياسية أمام الحكومة الجديدة في سوريا، إضافة إلى رفع العقوبات الدولية وتطمينات المجتمع السوري والمجتمع الدولي.
مطالب واشنطن من القيادة الجديدة
من جانبها، تعتبر كارولين روز، رئيسة معهد “نيولاينز” للاستراتيجيات والسياسات، أن الولايات المتحدة في “موقف صعب جدًا” لا سيما أن هيئة تحرير الشام صنفت على أنها “منظمة إرهابية” بالنظر إلى علاقاتها التاريخية مع تنظيم القاعدة، حسب قولها.
لكنها تعتقد أن الولايات المتحدة “تنظر بحذر شديد” بشأن كيفية تمهيد هيئة تحرير الشام الطريق نحو “حوكمة جديدة” و”فصل جديد” في سوريا.
وترى روز في حديث مع التلفزيون العربي من واشنطن أن الولايات المتحدة تنظر في عدة أمور من بينها الأقليات الدينية والإثنية، حيث لا تريد واشنطن تكرار التجارب السابقة التي عاشتها هذه الأقليات تحت نظام الأسد.
كما تتابع واشنطن، وفقًا لرئيسة معهد “نيولاينز”، طريقة إدارة هيئة تحرير الشام للأمن في دمشق والساحل والحدود مع العراق وتركيا والأردن، وكيفية ردها على التوغل الإسرائيلي في جنوب سوريا.
وتخلص إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تكون هيئة تحرير الشام “الجهة الفاعلة” ضد تنظيم “الدولة” وسواها من التنظيمات الإرهابية، وفق رأيها.