شكّل استهداف إسرائيل مخيم «عين الحلوة» شرق مدينة صيدا، أكثر المخيمات الفلسطينية في لبنان اكتظاظاً وتعقيداً من الناحية الأمنية، تطوراً بالغ الأهمية على صعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل لبنان. ويُجمع مسؤولون لبنانيون وفلسطينيون على أنه «رسالة مزدوجة» للساحة الفلسطينية، مفادها أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لا يشمل حركة «حماس» في الخارج، كما للساحة اللبنانية في سياق الضغط على الحكومة لحسم مصير السلاح غير الشرعي.

الموقع المستهدف

ولم تتضح حقيقة الموقع المستهدف داخل «عين الحلوة» مساء الثلاثاء وأدى إلى سقوط 13 قتيلاً. في حين قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إنهم استهدفوا تجمّع تدريب وتأهيل تابعاً لـ«حماس» في لبنان، وهو كان جزءاً من مخطط لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل، مرفقِاً تغريدته بمنشور يعود لعام 2023 تدعو فيه الحركة إلى الانتساب لـ«طلائع طوفان الأقصى»، أكدت «حماس» في بيان أن «ما تم استهدافه هو ملعب رياضي مفتوح يرتاده الفتيان من أبناء المخيم، ومن تم استهدافهم هم مجموعة من الفتية».

من جهته، أشار مصدر لبناني أمني رفيع إلى أنه «لم تتمكن الأجهزة الأمنية من تحديد ما تم استهدافه، خاصة أن من أُصيبوا لم يتم إخراجهم خارج المخيم وهم في المستشفيات داخله».

وأوضح المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمليات الجيش بما يتعلق بالمخيمات تتركز راهناً على ضبط كل مداخلها ومخارجها ومنع أي خروج لأي قطعة سلاح، وهذا عمل سيشمل كل المخيمات دون استثناء».

وكانت حركة «حماس» أعلنت في ديسمبر (كانون الأول) 2023 تأسيس «طلائع طوفان الأقصى». وردت بوقتها هذا المشروع الجديد لـ«الإقبال الشديد بعد «طوفان الأقصى» على الحركة ومشروعها حيث وجدت وخاصة في لبنان.

خلط للأوراق

وعدّت مصادر «حماس» أن الاستهداف الذي طال «عين الحلوة» هو الأول من نوعه، علماً أنها ليست المرة الأولى التي يتم استهداف داخل المخيمات، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ما حصل مجزرة وليس استهداف شخصية». وأضافت: «تم قصف منشأة رياضية محاطة بالمنازل ومعظم الذين استُشهدوا ما دون العشرين عاماً وبينهم أطفال».

ورأت المصادر فيما حصل محاولة لـ«قلب الطاولة وخلط الأوراق، وهو استهداف للساحة اللبنانية قبل الفلسطينية من منطلق أن (عين الحلوة) هو بوابة الجنوب، وقد يكون مقدمة لاستهدافات أخرى».

طفلة تسير في شارع تعرَّض لأضرار نتيجة غارة إسرائيلية استهدفت شارعاً ليل الثلاثاء بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا (د.ب.أ)

تداخل لبناني – فلسطيني

من جهته، عدّ مدير مركز «تطوير» للدراسات هشام دبسي أنه «تجب قراءة هذا الاستهداف بمعطيات سياسية شديدة الأهمية، وهو جاء في لحظة تقدم سياسي واضح في مسألة حل الدولتين، وفي لحظة تعاطف دولي كبير على مستوى القرارات المتخذة في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن».

‏وأشار دبسي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحكومة الإسرائيلية رغم خضوعها لنتائج وقرارات مجلس الأمن وإعلان ترحيبها بها، فإنها تعبر بشكل واضح عن رفضها عملياً من خلال استئناف العمل العسكري والأمني والاستيطان في الضفة الغربية»، مضيفاً: «ليس مستغرباً من قِبل الإسرائيلي في إطار استهدافه لشخصية من (حماس) أن يستهدف مجمعاً سكنياً كاملاً، وهو ما اعتدنا عليه في غزة… إلا أن تطبيق هذه السياسة في لبنان ليس رسالة فقط لحركة (حماس) والمخيمات الفلسطينية إنما للبنان، حيث إن هناك مساراً جديداً من التصعيد مع عدم اقتصار العمليات على استهداف شخصيات إنما تطول أيضاً المدنيين والبيئة. وبالتالي، ما حصل ينذر بعواقب وخيمة في حال لم يتم تدارك الأمر واتخاذ قرارات حازمة سواء من السلطة اللبنانية أو الشرعية الفلسطينية لسحب كل الذرائع من الإسرائيليين».

مسعفون حاضرون في موقع استهداف إسرائيلي ليل الثلاثاء بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا (رويترز)

ورأى دبسي أن «ما جرى يؤكد صوابية مبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنزع سلاح المخيمات وبسط سلطة الدولة اللبنانية وسيادتها على كامل أراضيها وإلا ستبقى أهدافاً مفتوحة للإسرائيليين لتنفيذ أجندات على حساب الشعبين اللبناني والفلسطيني».

مصير سلاح المخيمات

ويطرح ما حصل في «عين الحلوة» مجدداً ملف السلاح داخل المخيمات على طاولة البحث بعدما تم تجميد على ما يبدو عملية تسليم هذا السلاح التي كانت قد انطلقت في أغسطس (آب) الماضي باعتبار أن بعض الفصائل ومن ضمنها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» ترفض تسليم سلاحها حتى الساعة.

وهنا يؤكد المستشار السياسي والقانوني في «لجنة الحوار الوطني الفلسطيني»، الدكتور علي مراد، أن ملف تسليم السلاح الفلسطيني الموجود داخل المخيمات للدولة اللبنانية ‏«مستمر ولن يتوقف، وهو يستند إلى خطاب القسم والبيان الوزاري وإلى نتائج قمة بيروت في مايو (أيار) 2025 بين الرئيسين اللبناني والفلسطيني، والتي أكدت على بسط سلطة الدولة واحترام السيادة اللبنانية»، لافتاً إلى أن «هذا المسار مسار دقيق مرتبط بإجراءات أمنية متعلقة بواقع المخيمات التي لا تشبه بعضها بعضاً… وهو مسار يلحظ تسليم السلاح الثقيل ومن ثم المتوسط، كذلك الأمر هو مرتبط بالحرص من قِبل الجميع على عدم وجود فراغ أمني في المخيمات الفلسطينية».

ويوضح مراد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن لجنة الحوار برئاسة السفير رامز دمشقية التقت ممثلين عن «حماس» وعن «الجهاد الإسلامي»، «وتم إبلاغهم بشكل واضح بقرار بسط سيادة الدولة اللبنانية، تحديداً بعد قرارات الحكومة في أغسطس 2025، وهم أكدوا أنهم ملتزمون بالسيادة الوطنية والحوار مستمر في هذا في هذا المجال».

ولفت إلى أن «استهداف «عين الحلوة»، الثلاثاء، لا يغير في جدول أعمال هذا المسار وفي جوهر الموقف اللبناني – الفلسطيني، كما أنه سلاح لا يخدم قضية الشعب الفلسطيني ولا قضية الشعب اللبناني ولا يخدم العلاقة بين الطرفين». ويضيف: «كما أن حل هذه المسألة سيسهم أيضاً، بتحسين الشروط الحياتية الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين».

شاركها.
Exit mobile version