أثار إعلان ترويجي استخدمته جمعية مناهضة للعنف ضد المرأة، أمس الخميس في لبنان، غضبًا واسعًا بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب استخدام المنظمة النسوية لأسلوب يشابه تحذيرات المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إبان الحرب على البلاد.
وقامت جمعية “كفى” المناهضة للعنف ضد النساء في إعلانها الترويجي على صفحة فيسبوك، باستخدام صورة رمزية لأبنية، وضعت عليها علامة حمراء، معلقة: “إنذار عاجل إلى سكان المنازل وتحديدًا النساء الموجودات في الغرف المحددة على الخرائط المرفقة”.
وأضافت: “أنتن موجودات في أماكن تقع تحت سيطرة شخص معنف”، وتابعت: “من أجل سلامتكن يجب وضع خطة إجلاء للخروج من دائرة العنف”.
وختمت الجمعية منشورها حيث الصورة المقتبسة عن تحذيرات المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، بالقول: “ولنحميهن من مسافة صفر، يجب إقرار القانون الشامل لمناهضة العنف ضد المرأة”، وأرفقت المنشور بوسم: “حماية النساء من مسافة صفر”، و”حماية النساء أولوية”.
انتقادات عنيفة
وسرعان ما انهالت الانتقادات من الجنسين على منشور المنظمة، حيث اتُهمت بالتطبيع مع لغة الاحتلال وإنذاراته التي كان يتعمد أدرعي نشرها على صفحات التواصل إبان كل هجوم يشنه الجيش الإسرائيلي على لبنان أو قطاع غزة.
وعلّقت الصحافية سعدى علاو على صفحتها في فيسبوك: “إعلان غير موفق، وإستراتيجية غير مسموحة، وما أحدثته الإنذارات العدوانية لإسرائيل، والقصف الإجرامي الذي تلاها، وحصد أرواح الناس، ما كانوا ولن، تفصيلًا لنطبع معه”.
من جهته، أشار المخرج بشير أبو زيد، في منشور على صفحته، إلى أن مشكلة المنشور الذي اعتمدته “كفى” أعقد بكثير، وتساءل: “لماذا هناك جمعيات لا مشكلة لديها في استخدام أدوات وأساليب وأفكار استعمارية؟”.
الإعلان الذي تسبب بالجدل قبل حذفه – فيسبوك المنظمة
أما الناشط محمد مقداد، فقال: “جميعة كفى تحذر من العنف عبر إعلان يمثل منتهى العنف والرعب خلال الحرب”.
وقالت الناشطة آمال الشريف: “كيف لحملة توعية عن العنف ضد النساء والفتيات أن تستخدم الأسلوب والمنطق نفسه الخاص بالعدو ممثلًا بأفيخاي أدرعي، بتوجيه إنذارات إخلاء للمباني والأحياء والشقق”.
من جهتها، قالت الناشطة آيات نور الدين على فيسبوك: “كم يحتاج الإنسان/ة، من الانسلاخ عن المجتمع والصفرية في المشاعر والأخلاق، ليستخدم مضمونًا ابتكره العدو، وشكل رمزًا للوحشية والهمجية، لنقدم ماذا؟ إعلانًا لحماية النساء من العنف! يا لتضاد الهدف والوسيلة”.
حذف المنشور
وبعد سيل الانتقادات التي واجهت المنظمة، اضطر القيمون على الحملة لحذف المنشور، وإصدار بيان قالوا فيه: “إن التفاعل مع المنشور ولو لفترة وجيزة عن قصد، لفت نظر الكثير من المتابعين لأنه ذكرهم بما عايشوه في فترة الحرب التي شنها العدو الإسرائيلي علينا، حينما كانت حياة الناس مهددة، في كل لحظة وكل ثانية”.
وأضاف المنشور أن 17 امرأة قتلن على يد أقاربهن وأزواجهن، مذكرًا بأن 3 نساء انتحرن، حيث كان يجب إحداث صدمة ليتابع معنا الناس هذا الواقع الذي تعيشه النساء، وفق بيان “كفى”.
وتابعت الجمعية بيانها بالحديث عن العنف المستشري ضد النساء، وقالت خلاله: “أحيانًا الوعي الجماعي يحتاج إلى صدمة”.
لكن بيان الجمعية ضاعف من الانتقادات، ورفض غالبية الناشطين التبرير، واستكملوا الهجوم مطالبين “كفى” بالاعتذار عن استخدام لغة الاحتلال وتهديداته.
“إحداث صدمة”
وفي حديث لصحيفة النهار اللبنانية، أشارت المحامية ليلى عواضة من منظمة “كفى” إلى أن الاعلان كان قويًا، ولكن كان يجب إحداث هذه الصدمة “لأننا حين ندرج عدد ضحايا النساء المعنفات على صفحتنا لا نلقى التجاوب المنشود لإنقاذ من هن في دائرة الخطر. فكان القرار بالبحث عن فكرة من واقع صدمة اللبناني”.
وتابعت: “القوانين التي تحمي النساء مجمدة في الأدراج النيابية، وكما هو حال اللبنانيين الذين عاشوا في رعب وخوف إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان، هناك رعب يومي تعيشه النساء المعنفات ولابد من إنقاذ أرواحهن”.
وأردفت عواضة: “ليس من الضروري أن نقدم للمجتمع إعلانًا صادمًا ليلقى الاهتمام. الأساس إنقاذ المعنفات وعدم التلهي بالتفاصيل”.
يذكر أنه منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفًا متبادلًا بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” بدأ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة على لبنان في 23 سبتمبر/ أيلول الفائت.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان عن 4 آلاف و69 شهيدًا، و16 ألفًا و670 جريحًا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
وتم تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في 23 سبتمبر الماضي، فيما لا يزال الآلاف محرومين من العودة إلى قراهم في الجنوب بسبب الاحتلال، كما تكبدت البلاد دمارًا واسعًا في عدد من المناطق.