“الجنون هو فعل الشيء نفسه مرارا وتكرارا وتوقع نتائج مختلفة”، مقولة تُنسب -حقا أو خطأ- إلى عالم الفيزياء اليهودي الأميركي ألبرت آينشتاين، وتُعبر بالضبط عما درجت إسرائيل على فعله منذ نحو عقد ونصف في عهد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، حسبما ورد في مقال رأي بصحيفة هآرتس.

ويفيد المحلل العسكري يوسي ميلمان في مقاله بالصحيفة اليسارية بأن إسرائيل دأبت على التهديد بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو نمط من السلوك يتكرر مثل سيناريو محفوظ في درج ويُنفض عنه الغبار ويتم تحديثه.

ويقول إن إسرائيل تريد بذلك توجيه رسالة أساسية واحدة مفادها أنها لن تسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية، وأنها تتبع الأقوال بالأفعال. فعلى مدى عدة أسابيع، تشارك عشرات الطائرات المقاتلة الإسرائيلية في تدريبات قريبة وبعيدة بما في ذلك محاكاة إسقاط قنابل وصواريخ.

حملة دبلوماسية

وأشار إلى أن إسرائيل تُكثِّف عمليات جمع المعلومات الاستخبارية عبر شعبة الاستخبارات العسكرية وجهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد)، في حين يقوم سفراؤها في الخارج ومسؤولون آخرون بحملة دبلوماسية تدعو الدول لدعم إسرائيل وتحذرهم من مغبة الرفض.

ووفق المقال، فإن هذه التحركات تهدف في ظاهرها إلى الحصول على موافقة الدول المعنية على منح إسرائيل الخيار في شن عمل عسكري، والأهم من ذلك أن الهجوم المقصود لا يتحقق أبدا.

لكن ميلمان يعتقد أن الهدف من تلك الإجراءات هو العكس تماما، ذلك لأنه إذا كانت النية هي توجيه ضربة عسكرية، فإن تنفيذها يحاط عادة بالسرية، مثلما حدث عندما شنت إسرائيل غارتين جويتين ناجحتين على المفاعلين النوويين، العراقي في يونيو/حزيران 1981، والسوري في سبتمبر/أيلول 2007.

نتنياهو مغرور وعاجز

وحدثت الغارتان بعد موافقة رئيسي الوزراء مناحيم بيغن وإيهود أولمرت على التوالي، اللذين يصفهما المقال بأنهما من أجرأ القادة وأكثرهم فعالية في تاريخ إسرائيل. وعلى النقيض منهما، يقف نتنياهو، الذي يتحدث دائما بغرور ولا يتصرف إلا قليلا جدا، هذا إن تصرف أصلا، على حد تعبير الكاتب.

وقال ميلمان إن تعليمات نتنياهو لسلاح الجو والجيش الإسرائيليين تحمل في طياتها رسالة إلى مجتمع الاستخبارات العالمي -وخاصة في الولايات المتحدة– أنْ “راقبونا عن كثب لمعرفة نوايا إسرائيل”.

وأضاف أن نتنياهو أمر جيشه وسلاح الجو في 3 مناسبات على الأقل بالاستعداد لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وفي كل مرة كانت تعليماته تُجهض، إما على يد وزير الدفاع إيهود باراك في عامي 2008 و2009، أو بتعليمات من رئيس الموساد مئير داغان ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي.

للمرة الثالثة

والآن، وللمرة الثالثة، يقرع نتنياهو طبول الحرب ويبدو أنه يجهز لتوجيه ضربة عسكرية، على الرغم من أن سلاح الجو يفتقر إلى قنابل قادرة على اختراق التحصينات والمواقع النووية الإيرانية المحصنة بشدة تحت الأرض.

وحسب ميلمان، لم تكن إيران أكثر قربا مما هي الآن من القدرة على تجميع سلاح نووي، ناقلا عن تقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن إيران قد تزيد نسبة تخصيب اليورانيوم من 60% إلى 90% في غضون أسبوع، وتنتج مواد انشطارية تكفي لتصنيع 19 قنبلة نووية.

غير أنه يعتقد أن الأمر سيستغرق من إيران عدة أشهر أخرى لتجميع الآليات الهندسية اللازمة لتطوير القنبلة وسلسلة المتفجرات، وبالتأكيد نحو سنة لتركيبها كرأس حربي على صاروخ.

وفي ظنه أن الفرص المتاحة أمام نتنياهو لتخويف الإدارة الأميركية من التهديد النووي الإيراني تقترب من الصفر، “فهو لن يجرؤ على التصرف بوقاحة” تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلما كان يفعل مع الرئيسين الديمقراطيين السابقين جو بايدن وباراك أوباما في قضية إيران ومواضيع أخرى.

وخلص ميلمان إلى أن إسرائيل لن تهاجم المواقع النووية الإيرانية إلا بمساعدة أميركية دفاعا وهجوما على حد سواء، فبدونها لن تكون الضربة فعالة، وستدفع الإسرائيليين نحو الملاجئ لفترات طويلة.

شاركها.
Exit mobile version